كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
الصباح ؛ هذا وإن الدين الذي فرض الله على الكافة الانضمام إلى شعبه ، وأطلع فيه شموس هداية تشرق من مشرقه ولا تغرب في غربه ؛ جعل الله حكمه بأمرنا منوطا ، وفي سلك أحكامنا مخروطا ؛ وقلدنا من أمر الخلافة سيفا طال نجاده ، وكثر أعوانه وأنجاده ؛ وفوض إلينا أمر الممالك الإسلامية فإلى حرمنا تجبى ثمراتها ، ويرفع إلى ديواننا العزيز نفيها وإثباتها ؛ يخلف الأسد إن مضى في غابه شبله ، ويلفى في الخبر والخبر مثله ؛ ولما أفاض الله علينا حلة الخلافة ، وجعل حرمنا الشريف محل الرحمة والرأفه ؛ وأقعدنا على سدة خلافة طالما أشرقت بالخلائف من آبائنا ، وابتهجت بالسادة الغطاريف من أسلافنا ؛ وألبسنا خلعةً هي من سواد السؤدد مصبوغه ، ومن سواد العيون وسويداوات القلوب مصوغه ؛ وأمضينا على سدتنا أمور الخاص والعام ، وقلدنا أرباب الكفاية كل إقليم من عملنا ممن تصلح سياسته على الدوام ؛ واستكفينا بالكفاة من عمالنا على أعمالنا ، واتخذ مصر دار مقامنا ، وبها سدة مقامنا لما كانت في هذا العصر قبة الإسلام ، وفيئة الإمام ، وثانية دار السلام ؛ تعين علينا أن نتصفح جرائد عمالنا ، ونتأمل نظام أعمالنا ؛ مكانا فمكانا ، وزمانا فزمانا ؛ فتصفحناها فوجدنا قطر اليمن ؛ عرفنا هذا الأمر من اتخذناه للملوك الإسلامية عينا وقلبا ، وصدرا ولبا ؛ وفوضنا إليه أمر الممالك الإسلامية فقام فيها قياما أقعد الأضداد ، وأحسن في ترتيب ممالكنا نهاية الإصدار وغاية الإيراد ؛ وهو السلطان الأجل السيد الملك الناصر ، لا زالت أسباب المصالح على يديه جاريه ، وسحائب الإحسان من أفق راحته ساريه ؛ فلم يعد جوابا لما رسمناه ، ولا عذرا عما ذكرناه ؛ إلا تجهيز شرذمةٍ من جحافله المنصوره ، وتعيين أناس من فوارسه المذكوره ؛ يقتحون الأحوال ، ولا يعبأون بتغيرات الأحوال ؛ يرون الموت مغنما إن صادفوه ، وشبا المرهف مكسبا إن صافحوه ؛ لا يشربون سوى الدماء مدامه ، ولا يلبسون غير الترائك عمامه ؛ ولا