كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 122 """"""
العز أقصى غاية لا ترام ، وأبادت بمرهفه البتار جمع التتار الطغام ؛ واستخدمت لطاعته جيشين : جيش نهارٍ بكر فيه مواليه على أعدائه بسابق خيله ومرهف حسامه ، وجيش ليلٍ تبسط أولياء دولته أكفهم للدعاء ببقائه في جنح ظلامه ؛ طالما هزت المنابر أعطافها طربا عند ذكر اسمه ، وازدادت وسامة الدينار حسنا لما شرفها بحسن وسمه ورسمه ؛ وتلت أوصاف بأسه ألسنة خرصانه ، ورجعت سوابق الهمم عن التطاول للمطاولة في ميدانه ، وقالت فوارس الحروب لما رأت كره : هذا سباق لسنا من رهانه ؛ كم فرق بجيشه اللهام جيشا أرمد جفن الشمس بقتامه ، ونصر الأحزاب يوم الكريهة بالعاديات من خيله والمرسلات من سهامه ، فالدهر يشكر مواقف إقدامه ، والعدل ينشر منشور فضله وسديد أحكامه ؛ والممالك تثني على عليائه بالسداد ، والمسالك تهدي لسالكها ما خصها به من أمنها المعتاد ؛ والناس في ظل عدلٍ لياليه خلقت كما شاءوا أسحارا ، والوحش والغنم كل ؟ منهما قد جعل صاحبه جارا ؛ ومواطن العلوم أمست تطرز بمحاسن أوصافه ، وحكام الشرع الجليل أضحت تميس في حلل عدله وإنصافه ؛ والأماكن التي تشد لها الرحال يفتر ثغرها عن عدله ، والمشاعر المعظمة قد حمى حوزتها بالسهم من نصله والشهم من رجله ؛ تنقل في مراتب الملك صغيرا إلى أن اشتد بالعزم القوى كاهله ، واستوطن ربع العز مذ كان يجتلى بدوره وتجتليه عقائله ؛ فلم تبق له مأربةٌ إلا قضاها ، ولا حالةٌ إلا ابتلاها ، ولا غمةٌ إلا جلاها ، ولا آية شكر إلا تلاها ؛ إلى أن قمع بحد سيفه كل مجترى ، وقال للسحابة كما قيل : امطري ؛ رأى أن الموارد الدنيوية لا بد لها من مصادر ، وأن أوائل الأمور تستدعي الأواخر ، وأن للزهادة في الدنيا وإن عظم قدرها الشأن الكبير ، وأن الانقطاع إلى الله تعالى منهل

الصفحة 122