كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
التي صلبوه عليها على عاتقه ، ثم أخرجوه وهو يبكي حتى نصبوه على الخشبة ثم طعنوه حيا بحربة حتى مات - على زعمكم - فما منعه أن يدعو الله فينجيه ويهلكهم ، ويكفي مؤنتهم ، ويظهر هو وأصحابه عليهم ؟ وما منع يحيى بن زكريا حين سألت امرأة الملك أن يقتله فقتله وبعث برأسه إليها حتى وضع بين يديها أن يسأل الله أن يحميه ويهلكهم ؟ فأقبل على جلسائه وقال : والله إنه لحكيم ، وما تخرج الحكم إلا من عند الحكماء .
وخطب معاوية بن أبي سفيان ذات يوم وقال : إن الله تعالى يقول : " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدرٍ معلومٍ " فما نلام نحن ؛ فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له : يا معاوية ، إنا والله ما نلومك على ما في خزائن الله ، وإنما نلومك على ما آثرك الله به علينا من خزائنه فأغلقت بابك دونه .
وقال معاوية لرجل من اليمن : ما كان أحمق قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال : قومك أشد حماقةً إذ قالوا : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ " أفلا قالوا : اهدنا له .
وقيل : مرت امرأةٌ من العرب بمجلس من مجالس بني نمير ، فرماها جماعةٌ منهم بأبصارهم ، فوقفت ثم قالت : يا بني نمير ، لا أمر الله تعالى أطعتم ، ولا قول الشاعر سمعتم ، قال الله تعالى : " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " وقال الشاعر :
فغض الطرف إنك من نميرٍ . . . فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فما اجتمع منهم بعد ذلك اثنان في مجلس .