كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 13 """"""
كتابةٌ لا ينبغي ملكها إلا لخاطرة السليماني ، وفيضٌ لا يسند إلا عن نوح قلمه الطوفاني ، أوجبت على كل بليغ أن يتلو ، " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني " وبالجملة فالواجب على كل عاقل أن لا يتعاطى ما لم يعطه ، وأن يدخل باب مجلس سيدنا ويقول حطه ؛ فأما ما أفاض فيه من سكون الأحوال بتلك البلاغة فقد كدت أسكر لما استخرجته من تلك المحاسن التي لو أن الزمان الأصم يسمع لأسمعته ، ولو أن الحظ الأشم يخضع لأخضعته ؛ وبالجملة فإنه لا يشنأ زمنٌ أبقى من سيدنا نعمة البقية التي مهما وجدت فالخير كله موجود ، والمجد بحفيظته مشهود ؛ وكما تيسرت راحة جسمه ، فينبغي أن يقتدى به قلبه في راحة من همه ؛ وأعراض الدنيا متاع المتاعب ، وقد رفع الله قدره ، وإلا فهذه الدنيا وهدةٌ إليها مصاب المصائب ؛ والحال التي هو الآن عليها عاكفٌ إلا من علمٍ يدرسه ، وأدبٍ يقتبسه ، وحريم عقائل يذب عنه ويحرسه ؛ هي خير الأحوال ، فالواجب الشكر لواهبها ، والمسرة بالإفضاء إلى عواقبها ؛ وما ينقص شيءٌ من المقسوم ، وإن زاد عند المجلس فليس من حظه ، ولكن من حظ السائل والمحروم ؛ فلا يسمح المجلس بكتابٍ من كتبه على يدٍ من الأيدي التي لا تؤدى ، ولا يؤمن أن تكون أناملها حروف التعدي ، وهي إحدى ما تعلقت به الشهوات من اللذات ، وهو ينعم بها على عادته في كف ضراوة القلب ودفع عاديته ؛ موفقاً إن شاء الله تعالى . وكتب إلى القاضي محيي الدين بن الزكي أيضاً : كان كتابي تقدم إلى المجلس السامي - أدام الله نفاذ أمره ، وعلو قدره ، وراحة سره ونعمة يسره ؛ وأجراه على أفضل ما عوده ، وأسعد جده وأصعده ، وأحضر أمثال العالم المقبل وأشهده ؛ ولا زال يلبس الأيام ويخلعها ، ويستقبل الأهلة ويودعها وهو محروس في دنياه ودينه ، مستلئمٌ من نوب الدهر بدرع يقينه ، كاشفٌ لليل الخطب بنور جبينه ، وليوم الجدب بفيض يمينه ؛ وأعماله مقبوله ، ودعواته على ظهر الغمام محموله ؛ والدنيا ترعاه وهي تأتي برغمها ، والآخرة تدخر له وهو يسعى لها سعيها - من أيدي عدةٍ من المسافرين ، ولثقتي بهم ما قدرت أسماءهم ، ولضيق صدري بتأخير كتب المجلس ما حفظتها .

الصفحة 13