كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 14 """"""
وجاء منها : وما كأنا إلا أن دعونا الله سبحانه دعوة الأولين أن يباعد بين أسفارنا ، وأردنا أن يقطع بيننا وبين أخبارنا ؛ فأجيبت الدعوه ، ولا أقول لسابق الشقوه ، ولكن للاحق الحظوه ؛ فإن مكابدة الأشواق إلى الأبرار ، تسوق إلى الجنة ولا تسوق إلى النار ، وأقسم أنني بالاجتماع به في تلك الدار ، أبهج مني بالاجتماع به لو أتيح في هذه الدار ؛ فعليه وعي من العمل ما يجمع هنالك سلك الشمل ويصل جديد الحبل ؛ فثم لا يلقى العصا إلا من ألقى هنا العصيان ، وهنالك لا تقر العين إلا ممن سهرت منه هاهنا العينان ؛ فلا وجه لجمع اسمي مع اسمه في هذه الوصية مع علمي بسوء تقصيري ، وخوفي من سوء مصيري ، ولكن ليزيد سيدنا من وظائفه وعوارفه ، - فكل فعله تفضل من فضله - ما يخلصني بإخلاصه فإنني أستحق شفاعته لشفعة جوار قلبي لقلبه ، وهذا معنى ما بعث على شغل الكتاب به ، مع علمي باستقرار نفسه النفيسة ، إلا أنه - أبقاه الله - قد ابعد عهدي من كتبه بما يقع التفاوض فيه ، والمراجعة عنه ؛ والخواطر في هذا الوقت منقبضه ، والشواغل لها معترضه ، وأيام العمر في غير ما يفرض من الدنيا للآخرة منقرضه ؛ ومتجدد نوبة بيروت قد غمت كل قلب ، وهاجت المسلمين أشواقاً إلى الملك الناصر ، وذكرى بما ينفعه الله به من كل ذاكر ، وأخذ الناس في الترحم على أول هذا البيت والدعاء للحاضر والآخر - وليس إن شاء الله بآخر ؛ فما ادخر المولى لهذه الحرب مجهودا ، ولا فللت عسكرا مجرورا ولا مالاً ممدودا
فإن كان ذلبى أن أحسن مطلبي . . . إساةٌ ففي سوء القضاء لي العذر
ومنه : وسيدنا يستوصي بالدار بدمشق فقد خلت ، وإنما الناس نفوس الديار ؛ وأنا أعلم أن سيدنا في هذا الوقت مشدوه الخاطر عن الوصايا ، ومشغول اللسان بتنفيذ ما ينفذه مما هو منتصب له من القضايا ؛ فما في وقته فضلةٌ ولكن فضل ، وسيدنا يحسن في كل قضية من بعد كما أحسن من قبل ؛ فهو الذي جعل بيني وبين الشام نسبا وأنشأني فيه إلى أن ادخرت عقارا ونشبا فعليه أن يرعى ما أقناه ، وينفي

الصفحة 14