كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 146 """"""
فيها القدح المعلى ، ولا نسبوا إلى نباهة إلا ومحلهم فيها المحل الأرفع ومقامهم المقام الأعلى ؛ ولا اتصفوا بكتمان سر إلا اتصف هؤلاء بمثله ، ولا شهروا ببذل بر ؟ إلا وهؤلاء هم أعيان أهله ؛ ثم اختص كتاب التصرف بأمورٍ منع أولئك منها ، وأطلقت أقلامهم في أقلام حبست أقلام أولئك عنها ؛ وارتفعوا إلى قلل مراتب كبت جيادهم عن إدراك غايتها ، وتنموا ذرا مناصب لا تمتد الآمال إلى أكثر من نهايتها ؛ ولسنا نقيمهم في محل المناظره ، ولا نوقفهم في موقف المكاثرة والمفاخره ؛ بل لكل طائفة فضلٌ لا ينكر ، وفضائل هي أشهر من أن تملى وتسطر ؛ ولما انتهيت في كتابي هذا إلى باب الكتابة ، أردت أن أضرب عن ذكر كتابة التصرف صفحا ، ولا أعيرها من النظر لمحا ، وأقتصر على كتابة الإنشاء جريا على عادة من صنف ، وقاعدة من ألف ؛ فسألني بعض إخواني أن أضع في ذلك ملخصا يعلم منه المباشر كيف المباشره ، ويستضيء به فيما يسترفعه أو يرفعه من ضريبةٍ وموافره ؛ فأوردت هذه النبذة إزالةً لسؤاله ، وتحقيقاً لآماله ؛ وذكرت من صناعة الكتابة ما هو بالنسبة إلى مجموعها قطرةٌ من بحرها ، وشذرةٌ من عقود درها ؛ مما لا بد للمبتدى من الإحاطة بعلمه ، والوقوف عند رسمه ؛ وحين وضعت ما وضعت من هذه الصناعة لم أقف قبل ذلك على كتاب في فنها مصنف ، ولا انتهيت إلى فصل مترجم بها أو مؤلف ؛ ولا لمحت في ذلك إشاره ، ولا سمعت من لخص فيها عباره ؛ ولا من تفوه فيها ببنت شفةٍ ولسان ، ولا من صرف ببنان بلاغته في ميادينها العنان ؛ حتى أقتدي بمثاله ، وأنسج على منواله ؛ وأسلك طريقه في الإجاده ، وأحذو حذوه في الإفاده ؛ بل وجدتها مقفلة الباب ، مسبلة الحجاب ؛ قد اكتفى كل كاتب فيها بعلمه ، واقتصر على حسب فهمه ؛ فراجعت فيها الفكره ، وعطفت بالكرة بعد الفره ؛ ثم قرعت بابها ففتح بعد غلقه ، ورفعت حجابها ففتق بعد رتقه ؛ وامتطيت صهوتها فلانت بعد جماحها ، وارتقيت ذروتها فظهر للفكرة طريق نجاحها ؛ فشرعت عند ذلك في تأليف ما وضعته ،

الصفحة 146