كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
سنة خمس عشرة للهجرة - والله أعلم - ؛ فلما استقر ترتيب الناس في الدواوين على قدر النسب المتصل برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فضل بينهم في العطاء على قدر السابقة إلى الإسلام . وسنذكر إن شاء الله في خلافة عمر رضي الله عنه ما فرضه من العطاء لكل طائفة على ما ستقف عليه - إن شاء الله تعالى - في موضعه من فن التاريخ ؛ وهو في السفر السابع عشر من كتابنا هذا ؛ فهذا كان سبب وضع ديوان الجيش .
وأما دواوين الأموال - فإنها كانت بعد ظهور الإسلام بالشأم والعراق على ما كانت عليه قبل الإسلام ، فكان ديوان الشام بالرومية لأنه كان من ممالك الروم ؛ وكان ديوان العراق بالفارسية لأنه كان من ممالك الفرس ؛ فلم يزل أمرهما جاريا على ذلك إلى زمن عبد الملك بن مروان ، فنقل ديوان الشأم إلى العربية في سنة إحدى وثمانين من الهجرة ؛ وكان سبب نقله - على ما حكاه المدائني - أن بعض كتاب الروم في ديوانه أراد ماءً لدواته ، فبال في الدواة ، فبلغه ذلك فأدبه ، وأمر سليمان بن سعد أن ينقل الديوان إلى العربية ، فسأله أن يعينه بخراج الأردن سنةً ، ففعل وولاه الأردن ، وكان خراجه مائة ألف وثمانين ألف دينار ، فلم تنقض السنة حتى فرغ من الديوان ونقله ، وأتى به عبد الملك فدعى سرجون كاتبه فعرضه عليه فغمه وخرج كئيبا ، فلقيه قوم من كتاب الروم ، فقال لهم : اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم .
وأما ديوان العراق - فكان سبب نقله إلى العربية أن كاتب الحجاج بن يوسف كان زاذان فروخ ، وكان معه صالح بن عبد الرحمن يكتب بين يديه بالعربية والفارسية ، فأوصله زاذان فروخ إلى الحجاج ، فخف على قلبه ، فقال صالحٌ لزاذان فروخ إن الحجاج قد قربني ولا آمن أن يقدمني عليك ؛ فقال : لا تظن ذلك فهو إلى أحوج مني إليه ، لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيري ؛ فقال له صالح : والله لو شئت أن أحول الحساب إلى العربية لفعلت ؛ فقال : فحول منه ورقة أو سطرا حتى أرى ، ففعل ؛ ثم قتل زاذان فروخ في حرب عبد الرحمن بن الأشعث ، فاستخلف الحجاج