كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 159 """"""
يجب على كاتب الجيش الاحتفال به ، والاحتراز من الوقوع فيه ، وكتمانه عن سائر الناس ؛ وإن دعته الضرورة إلى تسطير ذلك خشية أن يسأله ولي الأمر عن شيء منه ، فليكن وضعه لذلك رمزا خفيا يصطلح عليه مع نفسه لا يعرفه إلا هو ، أو من له دربة بمباشرة الجيش .
ويتجنب أن يكشف عبرة إقطاع أو متحصله ، أو يذكر ذلك لأحد إلا بمرسوم ولي الأمر ، ثم يذكره باللفظ دون الخط ، ووجوه الاحتراز كثيرة ، وهي بحسب الوقائع ، فيتعين على مباشر الجيش ملاحظة ذلك والاحتراز من الوقوع فيما ينتقد عليه ، أو يصل سبب ضررٍ منه إليه ؛ هذا ما أمكن إيراده مما يحتاج مباشر الجيش إلى اعتماده ؛ والله أعلم .
وأما مباشرة الخزانة - فالعمدة فيها على العدالة والأمانة ، لأن خزائن الملوك في هذا العصر لسعتها ، وكثرة حواصلها ، وعظم ذخائرها لا تنضبط بسياقة ، فإنه لو طولب كاتب الخزانة بعمل سياقة لحواصلها عن سنةٍ احتاج إلى أن ينتصب لكتابتها سنةً كاملةً لا يشتغل فيها بغيرها ، فإذا تحررت سياقة السنة في آخر السنة الثانية وكشفها مباشر الأصل وحررها في مدة أخرى من السنة الثالثة فاتت المصلحة المستقبلة ، وتعطل على المباشر ما بعد تلك السنة ، لاشتغاله بنظر تلك السياقة ، فإذا تقرر عجز الكاتب عن عمل السياقة بهذه المقدمة فقد تعين أن العمدة في مباشرتها على الأمانة والعدالة ؛ ومع ذلك فيحتاج كاتبها إلى أمور : منها ضبط ما يصل إليه من حمول الأموال والأصناف ، ويقابل ما يصل منها على رسائله ، ويحرره بالوزن والذرع والعدد والأحمال على اختلاف أجناسه وأنواعه وأوصافه ، ويميز ما يصل إليه من الأقاليم والثغور والأعمال والممالك ، وما يصل من الهدايا والتقادم على اختلافها ، فيضيف كل نوع إلى نوعه ، وصنفٍ إلى صنفه ؛ وكذلك يحرر ما يبتاعه من الأصناف التي تدعو الضرورة إليها وجرت العادة بابتياعها .

الصفحة 159