كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 175 """"""
وقال مالك : لا يقدر أقلها ولا أكثرها ، وهي موكولةٌ إلى اجتهاد الإمام في الطرفين . وذهب الشافعي إلى أنها مقدرة الأقل بدينارٍ لا يجوز الاقتصار على أقل منه ، وعنده أنها غير مقدرة الأكثر ، يرجع فيه إلى اجتهاد الولاة ، ويجتهد رأيه في التسوية بين جميعهم ، أو التفضيل بحسب أحوالهم ، فإذا اجتهد رأيه في عقد الجزية معهم على مرضاة أولي الأمر منهم صارت لازمة لجميعهم ولأعقابهم قرنا بعد قرن ، ولا يجوز لوالٍ بعده أن يغيره إلى زيادة عليه أو نقصانٍ منه .
ويشترط عليهم في عقد الجزية شرطان : مستحق ؟ ومستحب ، أما المستحق فستة أشياء : أحدها ألا يذكروا كتاب الله تعالى بطعنٍ فيه لا تحريفٍ له ، والثاني ألا يذكروا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بتكذيبٍ له ولا ازدراءٍ به ، والثالث ألا يذكروا دين الإسلام بذم ؟ له ولا قدحٍ فيه ، والرابع ألا يصيبوا مسلمةً بزنىً ولا باسم نكاح ، والخامس ألا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله ولا دمه ، والسادس ألا يعينوا أهل الحرب ولا يؤووا أغنياءهم ؛ فهذه الستة حقوقٌ ملتزمةٌ بغير شرط ، وإنما تشترط إشعارا لهم ، وتأكيدا لتغليظ العهد عليهم ، فيكون انتهاكها بعد الشرط نقضا لعهدهم .
وأما المستحب فستة أشياء : أحدها تغيير هيآتهم بلبس الغيار وشد الزنار ، والثاني ألا يعلوا على المسلمين في الأبنية ، ويكونوا إن لم ينقصوا مساوين لهم ، والثالث ألا يسمعوهم أصوات نواقيسهم ، ولا تلاوة كتبهم ، ولا قولهم في عزير والمسيح ، والرابع ألا يجاهروهم بشرب خمورهم ، ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم ، والخامس أن يخفوا دفن موتاهم ولا يجهروا بندبٍ عليهم ولا نياحة ، والسادس

الصفحة 175