كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
وما هي إلا سكرةٌ بعد سكرةٍ . . . إذا هي زالت لا تزال خمارا
رحلتم وصبري والشباب وموطني . . . لقد رحلت أحبابنا تتبارى
ومن لم تصافح عينه نور شمسه . . . فليس يرى حتى يراه نهارا
سقى الله أرض الغوطتين مدامعي . . . وحسبك سحبا قد بعثت غزارا
وما خدعتني مصر عن طيب دارها . . . ولا عوضتني بعد جاري جارا
أدار الصبا لا مثل ربعك مربعٌ . . . أرى غيرك الربع الأنيس قفارا
فما اعتضت أهلا بعد أهلك جيرةً . . . ولا خلت دار الملك بعدك دارا
وما ضر اليد الكريمة التي أياديها بيض في ظلمات الأيام ، وأفعالها لا يقوم بمدحها إلا ألسنة الأسنة والأقلام ؛ لو قامت للمودة بشرطها ، ومحت خط الأسى بخطها ؛ وكتبت ولو شطر سطرٍ ففرغت قلباً من الهم مشحونا ، وأطلقت صبراً في يد الكمد مسجونا ؛ ونزهت ناظر المملوك في رياضٍ منثورة الحلى ، وحلت عهوده بمكارم مأثورة العلا
وما كنت أرضى من علاك بذا الجفا . . . ولكنه من غاب غاب نصيبه
ولو غيركم يرمي الفؤاد بسهمه . . . لما كان ممن قد أصاب يصيبه
وما لي فيمن فرق الدهر أسوةٌ . . . كأن محبا ما نآه حبيبه
والمملوك مذ حطت مصر أثقاله ، وجهز الشام رحاله ؛ وألقت النوى عصاها وحلت الأوبة عراها ؛ يكتب فلا يجاب ، ويستكشف الهم بالجواب فلا ينجاب
يا غائبا بلقائه وكتابه . . . هل يرتجى من غيبتيك إياب

الصفحة 18