كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
ذكر جهات الخراجي وأنواعه وما يحتاج إليه مباشره
والخراجي عبارةٌ عما يستأدى مسانهةً مما هو مقررٌ على الأراضي المرصدة للزراعة والنخل والبساتين والكروم والطواحين السنوية التي تدور أحجارها بمياه السيول في الجهات الشامية ، وما يستأدى من خدم الفلاحين ، ويسمى ذلك بمصر : الضيافة ، وبالشأم : رسم الأعياد والخميس ، وهو أغنامٌ ودجاجٌ وكشكٌ وبيض - على ما استقر على كل جهة - وهو إنما يكون على النواحي الإقطاعية غالبا ، وأما في نواحي الخاص فلا يستأدى ، لما هو مقرر على الأراضي بمصر من الحقوق التي تستخرج دراهم ، وبالشأم من التضييف المقرر عليهم في أيام الفتح عن مدة ثلاثة أيام ؛ ومن أبواب الخراجي ما يستأدى بالشأم في خدمة رؤساء الضياع في مقابلة ما لهم من المطلق والولاة والوكلاء والنقباء والصيارفة والكيالين والضوئية في مقابلة ما يستأديه من الرسم ، وذلك يرد في أبواب المضاف ؛ والخراجي تختلف أحكامه وقواعده بمصر والشام ؛ والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب .
أما الديار المصرية وأوضاعها وقوانينها وما جرت عليه قواعدها على استقر في زماننا هذا وتداوله الكتاب ، فقانون الديار المصرية مبني ؟ على ما يشمله الري من أراضيها ويعلوه النيل ؛ وقد ذكرنا في باب الأنهار في الفن الأول من كتابنا هذا نيل مصر ، ومبدأه ، والاختلاف فيع ، وما يمر عليه من البلاد ، وكيفية الانتفاع به من حفر الترع ، وضبط الجسور ، وتصريف المياه عن الأراضي بعد ريها ؛ ونيل مصر هو من أعاجيب الدنيا ، وقد روى عن ذي القرنين أنه كتب كتابا عما شاهده من عجائب الوجود فذكر فيه كل عجيبة ، ثم قال في آخره : وذلك ليس بعجب ، ولكن العجب نيل مصر ، ولولا ما جعل الله تعالى فيه من حكمة هذه الزيادة في زمن الصيف على التدريج حتى يتكامل ري البلاد ، وهبوط الماء عنها عند بدء وقت الزراعة لفسد أمر هذا الإقليم ، وتعذرت سكناه ، إذ ليس به أمطارٌ كافية ولا عيونٌ سارحةٌ تعم