كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 187 """"""
ومن أراضي الشأم نواحٍ يغبها الوسمى فيزرع سكانها الحب عفيرا ، ومعنى ذلك أنهم يزرعون في الأرض الحب قبل إبان الزرع وينتظرون وقوع الأمطار عليه ؛ ومن غريب ما اتفق في بعض السنين أنهم أودعوا الحب الأرض على عادتهم فلم يسقط عليه الأمطار في تلك السنة ، فاستمر في الأرض إلى العام القابل ، وأيس أهل البلاد منه ، وزرعوا في السنة الثانية شطر الأراضي التي كانت كرابا غير مزروعة - فإن عادتهم بسائر بلاد الشأم أن كل فلاحٍ يقسم الأراضي التي بيده شطرين ، فيزرع شطرا ، ويريح شطرا ، ويتعاهده بالحرث لتقرع الشمس باطن الأرض ، ثم يزرعه في القابل ويريح الشطر الذي كان به الزرع ؛ هذا دأبهم ، خلافا لأراضي الديار المصرية ، فإنها تزرع في كل سنة - فلما وقعت المطار نبت الشطران معا ، وأقبلت الزراعات في تلك السنة ، فتضاعف المغل ، وهذا غريبٌ نادر الوقوع .
ومن أراضي الشأم ما يسقى بالمياه السارحة من الأنهار والعيون ، وتكون مقاسمة أرضه أو فر من مقاسمة ما يسقى بالأمطار ، وقيمة الأملاك بها أرفع وأغلى من تلك ، ويكون غالبا في الأراضي المستقلة ؛ والله تعالى أعلم . والذي يعتمده مباشر الخراج ببلاد الشأم أنه يبدأ بإلزام رؤساء البلاد بتغليق أراضيها بالزراعة والكراب ؛ ومصطلحهم في ذلك أن يقولوا : أحمر وأخضر ، يعنون بالأحمر : الكراب ، وبالأخضر : الزرع شتوياً أو صيفياً ، ويعنون بالشتوي : القمح والشعير والشوفان والفول والحمص والعدس والكرسنة والجلبان

الصفحة 187