كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 37 """"""
أرشف مسك سطوره ولماها ، وأنزه العين والقلب بين حسنها وجناها ؛ وأطلق عنان شوقٍ جعلت الأقلام له لجما ، وحسبت النقس ليلا ، والكتاب طيفا ، والوقوف عليه حلما ؛ إلى أن قضت النفوس وطرا ، وحملت الخواطر خطرا ، وقرنت بما ظنه سحابا ما ظنه مطرا ؛ هذا على أنه قريب العهد بيد النعماء ، فإن هرب فمن ماءٍ إلى ماء .
ومن آخر : فلما وقف على الكتاب جدد العهد بلثمه ما لم يصل إلى اليد التي بعثته ، وشفى القلب بضمه عوضاً عن الجوانح التي نفثته
وأين المطامع من وصله . . . ولكن أعلل قلبا عليلا .
ومن آخر : وصل كتابه ، وكان من لقائه طيقا إلا أنه أنس بالضحى ، وأنار حرب الشوق وكان قطب الرحى
تخطى إلى الهول والقفر دونه . . . وأخطاره لا أصغر الله ممشاه .
ومن كلامه رحمه الله يصف بلاغة كتابٍ ، قال : كتابٌ إلى نحرى ضممته ، وذكرت به الزمن الذي ما ذممته ، وأكبرت قدره فحين تسلمته استلمته والتقطت زهره فحين لمحته استلمحته ، وامتزج بأجزاء نفسي فحين لحظته حفظته ؛ وجمعت بينه وبين مستقره من صدري ، واستطلت به مع قصره على حادثات دهري ، وجعلت سحره بين سحري ونحري ، واستضأت به ورشفته فهو نهاري وهو نهري ؛ فإن أردت العطر بلا أثرٍ أمسكت مسكه بيدي ، وإن أردت السكر بلا إثمٍ أدرت كأسه في خلدي ؛ فلله أنامل رقمته ، ما أشرف آثارها وخواطر أملته ، ما أشرف أنوارها ولم أزل متنقلا منه بين روضةٍ فيها غدير ، وليلةٍ فيها سمير ؛ وإمارةٍ لها سرير ، ومسرةٍ أنا لها طليقٌ أسير ، ونعمةٍ أنا لها عبدٌ بل بها أمير ؛ حتى أدبرت عني جيوش الأسى مفلوله ، وقصرت عني يد الهم مغلوله ؛ وملئت مني مسامع المكارم حمدا ،

الصفحة 37