كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
وأدنى مجنى ، وأغنى مغنى ؛ فما ضره تأخير زمانه ، مع تقدم بيانه ؛ ولا من سبقه في عصره ، مع أنه قد سبق في شعره .
ومن آخر : ولله هو من كتابٍ لما وقفت عليه الغلة شفاها ، ورأت وردها كل ماءٍ غيره سفاها ، ووطأ مضاجع أنسها بعد أن كان الشوق يقلب الجنوب على سفاها ؛ فلا عدم ودها الذي به عن كل مودةٍ سلوة ، ولا برحت كفاية الله تحلها في الذرا وتعلى قدرها في الذروه ، ولا فقد مما ينعم به أي نعمه ، ولا مما ينشيه أي نشوه .
ومن آخر : كتابٌ كريمٌ تبسم إلي ضاحكا ، وظن مداده أنه قد جلا سطره علي حالكا ؛ فما هو إلا سواد الحدقة منه انبعثت الأنوار ، وما هو إلا سويداء ليلة الوصل اشتملت على دجىً تحته نهار ، فلله هو من كتابٍ استغفر الدهر ذنب المشيب بسواده ، واستدرك الزمان غلطه بسداده .
ومن آخر : كتابٌ تقارعت الجوارح عليه فكادت تتساهم ، فقالت اليد : أنا أولى به ، شددت على مولاه ومولاي عقد خنصري ، ورفعت اسمه فوق منبري ؛ وقبضت عليه قبضتي ، وبسطت في بسط راحته وقت الدعاء راحتي ؛ وقالت العين : أنا أولى به ، أنا وعاء شخصه ، وإلي يرجع القلب تمثيله ونصه ؛ وأنا سهرت بعد رحيله وحشة ، وأنا إذا ذكر هجير القلب عللته رشةً بعد رشة ؛ فقال القلب : طمعتما في حقي لأني غائب ، وهل أنت لي يا يد إلا خادم ؟ وهل أنت لي يا عين إلا صاحب ؟ أنا مستقره ومستودعه ، ومرتعه ومشرعه ، وأنا أذكره وبه أذكركما ، وأحضره ولخدمته أحضركما ؛ فاليد أستخدمها مرةً في الكتابة إليه ، ومرة في شد الخنصر عليه ؛ ومرةً في الإشارة إلى فضله ، ومرةً في الدعاء بكل صالحٍ هو من أهله ؛ والعين استخدمتها في ملاحظة وجهه آئبا ، وفي توقع لقائه غائبا ؛ وفي السهد شوقا إلى قربه ، والمطالعة لما يخرج أمري بكتبه من كتبه ، فهنالك سلمتا واستجرتا ، وألقتا