كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 4 """"""
ومن رسائله ما كتب به إلى النظام أمير حلب : ورد كتاب المجلس السامي - حرس الله به نظام المجد وأطلق فيه لسان الحمد ، ودامت مساعيه مصافحةً ليد السعد ، وأحسن له التدبير في اليومين : من قبل ومن بعد - فمرحبا بمقدمه ، وأهلا بمنجمه ؛ والشوق تختلف وفود صروفه ، وتتنوع صنوف ضيوفه ؛ فلا بد أن تتبعض إذا تبعضت المسافات ، وتبرد وتخمد إذا عبدت ودنت الطرقات ؛ ولو بمقدار ما يدنو اللقاء على الرسول السائر ، بالكتاب الصادر ، والخيال الزائر ، بالحبيب العاذر ، والنسيم الخاطر ، من رسائل الخواطر ؛ وقد وجدت عندي أنسا لا أعهده ؛ وعددت نقص البعد أحد اللقاءين ، كما كنت أعد زيادة البعد أحد النأيين ؛ فزاده الله من القلوب حظوه ، ولا أخلاه من بسط يدٍ وقدمٍ في حظ ؟ وحظوه ؛ ووقفت على هذا الكتاب المشار إليه وما وقفت عنه لسانا شاكرا ، ولا صرفت عنه طرفا ناظرا ، وبلغت من ذلك جهدي وإن كان قاصرا ، واستفرغت له خاطري وما أعده اليوم خاطرا ؛ ومما أسر به أن يكون في الخدمة السلطانية - أعلاها الله ورفعها ، ووصلها ولا قطعها ، وألف عليها القلوب وجمعها ، واستجاب فيها الأدعية وسمعها - من يكثر قليلى ، ويشفى في تقبيل الأرض غليلي ، فإن تقبيل سيدنا كتقبيلي ؛ فلو شرب صديقٌ وأنا عطشان لأرواني ، ولو استضاء بلمعة في الشرق وأنا في الغرب لأراني ؛ كما أن الصديق إذا مسته نعمةٌ وجب عنها شكري ، وإذا وصلت إليه يد منعم وصلتني وتغلغلت إلى ولو كنت في قبرى . ومنها : وأعود إلى جواب الكتاب ، الأخبار لا تزال غامضةً إلى أن يشرحها ، ومقفلةً إلى أن يفتحها ؛ بخلاف حالي مع الناس ، فإن القلوب لا تزال سالمةً إلا أن يجرحها ، والهموم خفيفة إلا أن يرجحها ؛ والحق من جهته ما تحقق ، وما استنطق بشكر من أنطق ؛ وفي الخواطر في هذا الوقت موجودٌ يجعلها في العدم ، ويخرجها من الألم إلى اللمم ، ويعادى بين الألسنة والأسماع وبين العيون والقلم ؛ وكلما قلت الحيلة المشكوك في نجحها ، فتح الله باب الحيلة المطموع في فتحها ؛ وهي من فضل الله سبحانه والاستجارة بالاستخارة ، فتلك تجارةٌ رابحةٌ وكل تجارةٍ لا

الصفحة 4