كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 61 """"""
حيث وضعته السيادة صدرا ، وليطلعه كما أطلعته الفضائل بدرا ؛ وليصرف إليه عنايةً تعلق بها الحمد علاقة غيلان بميه ، والحكم بأميه ؛ وهو يعلم - أدام الله أيامه - أن المناصب عرائس ، والصنائع قلائدها ، والولايات مآدب ، والمكارم موائدها ، والليالي - كما علمت - حبالى ، والسيئات والحسنات ولائدها ؛ وخير من لبس ثوب نعمة كاهل هذا الإمام ، وإن الحسنة إليه لأشرف مواهب الأيام ، فاغتنمها فإنها غاية الاغتنام ؛ وأعيذ مولانا بالله أن يجعل نظره إليه لمحا ، أو يضرب عنه الذكر صفحا ، أو يكون مولانا روضةً ثم لا يجد هذا الصدر منها نفحا ، ومطلع آفاق الشرف ثم لا يستوضح هذا الملتمس من أفقها صبحا .
ومثل صدر هذه الرسالة لبعض الكتاب المتقدمين : الحمد لله مقلب القلوب ، وعالم الغيوب ؛ الجاعل بعد عسرٍ يسرا ، وبعد عداوةٍ ودا ، وبعد تحاربٍ اجتماعا ، وبعد تباينٍ اقترابا ؛ رأفةً منه بعباده ولطفا ، وتحننا عليهم وعطفا ؛ لئلا يستتمهم التتابع ، في التدابر والتقاطع ؛ وليكونوا بررةً إخوانا ، وعلى الحق أعوانا ؛ لا يتنكبون منهجا ، ولا يركبون من الشبهة ثبجا ، بغير دليلٍ يهديهم قصد المسالك ، ولا مرشدٍ يذودهم عن درك المهالك ؛ أحمده على نعمه التي لا يحصى الواصفون إحصاءها ، ومننه التي لا تحمل الخلق أعباءها ؛ حمدا يتجدد على ممر الأزمان والدهور ، ويزيد على فناء الأحقاب والعصور ؛ وإن أحق ما استعمله العاملون ولحق به التالون ، وآثره المؤمنون ، وتعاطى بينهم المسلمون ؛ فيما ساء وسر ، ونفع وضر ؛ ما أصبح به الشمل ملتئما ، والأمر منتظما ؛ والفتق مرتتقا ؛ والسيف مغمودا ورواق الأمن ممدودا ؛ فحقنت به الدماء ، وسكنت معه الدهماء ، وانقمع به الأعداء ؛ واتصل به السرور ، وأمنت معه الشرور ؛ وليس بذلك أولى ، وإلى إحراز الثواب به أدنى من الصلح الذي أمر الله تبارك وتعالى به ، وخص وعم ورغب .

الصفحة 61