كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 62 """"""
ولنعد إلى كلام الشيخ ضياء الدين بن القرطبي فم ذلك ما كتب به أيضاً إلى الصاحب شرف الدين الفائزي جواباً عن كتاب شفاعة يوصى على أخيه نجم الدين ، فأجابه الشيخ : يخدم الجناب الشرفي - رفع الله قدره بين أوليائه ، وأطاب ذكره في مقام عليائه ؛ وأطال عمره مقترنا بعزه ، وأره في كنف سلامته وكهف حرزه - وردت الأوامر المطاعة ، المقابلة بالسمع والطاعه ؛ في حق أخي المملوك مولانا نجم الدين ، فتلقى راية طاعتها بيمينه ، وأقرها من تعظيمه في أسرة جبينه ، وأحلها من شرف الامتثال في مستودع دينه ؛ وقابل حاملها بأوفر ترحيبه ، وأقرب تقريبه ؛ وواجهه بإجلال الأخوة ، وخلال البنوه ؛ وأحله كنف قلبه ، وأودعه بين شغاف القلب وخلبه ، وأعاده إلى معهود ولائه وحسبه ؛ وقرر له في كل شهر عشرة دنانير وهي نهاية قدرته ، وأعلمه أنها أعود نفعا من ولايته وأقرب عوناً من إمرته ؛ وعاهد الله ألا يتعرض لجنديةٍ أبدا ، ولا يمد لطلب ولايةٍ يدا ؛ ولا يقف بين يدي الأمراء بعدها ، ولا يتجاوز بجلالة أبويه حدها ، ولا يهمل شرف نسبته التي لم تصاعر لها الأيام خدها ؛ وأخذ عليه عهود الله والمملوك في الوفاء مهما عهدها ؛ وقد توجه إلى المشارع الصاحبية التي استعذب وردها والمكارم الشرفية التي ألف حمدها ، والصنائع الإحسانية التي وجد في مرارة الفقر حلوها وفي حرارة الغربة بردها ؛ وعاود عش الفضل الذي منه درج ، وبيت الكرم الذي إليه دخل ومنه خرج ، وسماء الإحسان التي أطلعت نجم إمامته فعرج عليها وإليها عرج ، وبحر المعروف الذي إذا أطنب لسان ثنائه قالت شواهد بيانه : حدث عن البحر ولا حرج ؛ ومولانا يضعه تحت كنفه ، ويرفعه الله ولسلفه ، ويقابله الجناب الشرفي بما عرفه من شرفه ؛ ويعينه على جاريه الذي هو مادة رفقه ، وأول ما أجراه الله على يد مولانا من رزقه ؛ بكتاب يجزل له العزمات وينميها ، ويسكن روح الحياة في جسد فاقته ويبقيها ؛ فهو ذو ضراء لا تسدها إلا القناعه ، وذو فاقةٍ لا ترفعها إلا السعة التي تمد باعه ؛ والله يجعل مولانا وقايةً لمن لجأ إليه ، وإعانةً لمن اعتمد عليه ؛ إن شاء الله تعالى .

الصفحة 62