كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 63 """"""
وكتب إليه أيضاً شفاعةً في بعض الأعيان فقال : وينهي أن الله تعالى متولى سرائر عباده ، ومجازيهم على مخالفة أمره وإن كان على وفق مراده ؛ أعد داري ثوابه وعقابه ، وحذر أولى العقوبة من أليم عذابه ؛ ثم عمت رحمته فشفع في العصاه ، وعفا عن الجناه ؛ فقال : " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات " ثم بذلت عوارف الإحسان ، وعواطف الحنان ؛ حتى شفع إلى خلقه ، في العفو عن حقهم وحقه ؛ صفة كرمٍ رحمانيه ، وصلة عفوٍ إحسانيه ، وصنائع ألطافٍ ربانيه ، فشفع إلى الصديق في مسطح ، فقال : " ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا " فقدم موجبات العطف بما قدم من القرابة والمسكنة والمهاجرة ، ثم تلقاها من أجر الآخرة بكرم المجازاة وريح المعاملة ، وحسن جزاء المنعم ، تعريفا بمواقع الإحسان ، وتكريما لنوع الإنسان ؛ ومملوك مولانا فلان الذي أنزل حاجته بعبدك ، وقصده قبل قصدك ؛ وأسكن حريمه مجاورا لحريمه وتشفع به إلى صدر الزمن وكريمه ، واستوهبه الذنب وإن كان معترفا بعظيمه ؛ والصنع الجميل ثمرة الأيام ، والفضل أثبتته ألسن الأقلام ؛ ولله لحظاتٌ تلحظ عباده ويرحم الراحمين ، ويجزى المتصدقين ، ولا يضيع أجر المحسنين ؛ وإن مولانا عقال الشرف وذو الفضل الأنف ، والعارف في صنائع الإحسان كيف تؤكل الكتف ؛ وقد أحلته على ملاءة أياديك ، وألبسته ملاءة معاليك ، وأحللته بضمان الله كنف ناديك ؛ وأنت الكريم أخلاقا ونسبا ، والطيب أعراقا وأبا ، والصدر الذي إذا سامته الأيام خطة ضيم أبى ، وإذا أوطأته مهانةً وخسفا نبا ؛ وأحق من قبل هذه الشفاعة كرمك وأولى من رعاها شيمك ، والمعالي جنود الشرف وأحق علمٍ رفع عليها علمك ؛ والله تعالى يبقيه للأنام ملاذا ، وللأمل معاذا ، ويهب عزمه مضاء وقلمه نفاذا ؛ إن شاء الله تعالى .

الصفحة 63