كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 78 """"""
فنونها بنوح بلبلها هزارها ، ويبوح شذا الروض عن سرها وآثارها ؛ هذا مع أنها خطبت حسن إحسانه ، وتقلدت جميل بره وجزيل امتنانه ؛ والربيع منمنم العذار ، موشى الإزار ؛ قد لبس رداء شبابه ، وماس في خضر ترابه وخضل ربابه ؛ يهز أعطاف سنائه ، ويخطر في برد هوائه وبرد مائه ، فكلل وجنات نوره ببرد أندائه ؛ والثرى عنبري الأديم ، سحري النسيم ، رندي الشميم ؛ موشحٌ بقلائد غدرانه ، مغازلٌ بعيون نرجسه بسام بثغر أقحونه ؛ لا يغرد ذبابه ولا يطرب ، ولا يصر بسحراته الجندب ؛ تطلع شمسه محتجبةً في ضبابها ، مقنعةً من سحابها ؛ جاريةً في أثناء حبكها ، جائلةً في أدنى فلكها ؛ تسعى فتسرع ، وتكاد أن تغرب حين تطلع ؛ والجو معقود الأزرار ، فاختي الإزار ؛ غيمه منسكب ، ونوره منسحب ؛ وليله يضم أطراف نهاره ، ويلف وجهه في حاشية إزاره ؛ ينفي القذاة عن مائه ، ويجمع الحواس على جلوائه ، ويعشى المقل من ضوء سنائه
فلو أن ليلى زارني طيف أنسها . . . وماء شبابي قاطرٌ في ذوائبي
ضممت عليها البرد ضمة آلفٍ . . . وألصقت أحشائي بها وترائبي
ولكن أتتني بعد ما شاب مفرقي . . . وودعت أحبابي له وحبائبي
والحاجة داعيةٌ إلى ثلاثة أسهم ، كأنها هقعة الأنجم ؛ ممتدة امتداد الرمح ، مقومة تقويم القدح ؛ غير مشعثة الأطراف ، ولا معقدة الأعطاف ، ولا مسوسة الأجواف ؛ تحاسن الغصون بقوامها ، والقدود بتمامها ؛ وتخالف هيفها بامتلاء خصورها ، وتساوى بين هواديها وصدورها ؛ معتدلة القدود ، ناعمة الخدود ؛ مع مليات أخذت النار فيها مأخذها فاسودت ، وتطاولت عليها مدة الجفاف فاشتدت ؛

الصفحة 78