كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
الصيد المبارك بجنود تملا السهل والجبل ، وتستحي الشمس منها فتستتر في سحابها من كثرة الخجل ؛ تسير على الأرض منها جبال ، وتأوي الرمال منها إلى أورف ظلال ؛ وتوجهنا إلى جهة الطرانة وإذا بحشود الوحوش قد توافدت ، وعلى مناهل المناهج قد تواردت ؛ والأجل يسوقهم ، والبيد تعقهم ، والمنايا تعوقهم ؛ ولم تزل أيدي الخيل تجمعهم في صعيد ، وتطوى بهم سطورا في طروس البيد ؛ حتى أحاطت بهم إحاطة الفلك بالنجوم الزواهر ، والأجفان بالعيون النواظر ؛ وجردت السيوف فظنتها غدرا ، ورميت النبال فحسبتها شررا ؛ وعزلت الرماح بالسهام وحيتها السلام بالسلام ، وسكنت نهارا من العجاج في ظلام ؛ وضاقت عليها الأرض بما رحبت ، وأدركت المنية منها ما طلبت ؛ وراسلتها المنايا ، وأهدت إليها رياحين تحايا ، فمن صريعٍ وصديعٍ وطريحٍ وطريد ، وجريحٍ ومقبلٍ وشريد ، وقائمٍ وحصيد ؛ ولم تسلم في هذا اليوم غير غزالة السماء فإنها استترت بالغيوم ، وخافت أن يكون الهلال قد نصب فخا لصيدها وصيد غيرها من النجوم ؛ والموت أسر كل مهاةٍ مهابه ، ونال الحتف من كل طلاً طلابه ؛ وفتكت الظبا بالظبى ، وقالت السهام لأجيادها : مرحبا ؛ وثنينا الأعنة والشفار قد أنهلت ، والظهور قد أثقلت ؛ والكنس خاوية على عروشها ، والبيد قد أوحشت من وحوشها ؛ وما نشتمل عليه من محبة المجلس وإيثاره ، ونجده من الوحشة له مع دنو داره ؛ وسروره بما عساه لنا يتجدد ، وحبوره بما يرد من جهتنا وهذا لا نشك فيه ولا نتردد ؛ أوجب أن نخصه به ونتحفه ، ونصفه له على جليته إذ كنا بالتخصيص به لن ننصفه ؛ وقد بعثنا إليه منه قسما ، ولم ننس عند ذكرنا أنفسنا له اسما .