كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 99 """"""
أهل الإيمان فزادتهم نورا على نور ؛ وأورثه عن أسلافه الطاهرين إمامة خير أمه ، وكشف بمصابرته من بأس العدا غمام كل غمه ؛ وأنزل عليه السكينة في مواطن النصر والفتح المبين ، وثبته عند تزلزل الأقدام وثبت به قلوب المؤمنين ؛ وأفاض عليه من مهابة الخلافة ومواهبها ما هو من أهله ، وأتم نعمته عليه كما أتمها على أبويه من قبله ؛ بايع الله تعالى على أن يختار للتمليك على البرايا ، والتحكيم في الممالك والرعايا ؛ من أسس بنيانه على التقوى ، وتمسك من خشية الله سبحانه بالسبب الأقوى ؛ ووقف عند أوامر الشرع الشريف في قضائه وحكمه ، ونهض لأداء فرض الجهاد بمعالي عزمه وحزمه ؛ وكان المقام الأشرف العالي المولوي السلطاني الملكي المظفري الركني ، سلطان الإسلام والمسلمين ، سيد الملوك والسلاطين ؛ ناصر الملة المحمدية ، محيي الدولة العباسية أبو الفتح بيبرس قسيم أمير المؤمنين - أعز الله تعالى ببقائه حمى الخلافة وقد فعل ، وبلغ دوام دولته الأمل - هو الملك الذي انعقد الإجماع على تفضيله ، وشهدت مناقبه الطاهرة باستحقاقه لتحويل الملك إليه وتخويله ؛ وحكم التوفيق والاتفاق بترقيه إلى كرسي السلطنة وصعوده ، وقضت الأقدار بأن يلقي إليه أمير المؤمنين أزمة عهوده ؛ والذي كم خفقت قلوب الأعادي عند رؤية رايات نصره ، ونطقت ألسنة الأقدار بأن سيكون مليك عصره وعزيز مصره ؛ واهتزت أعطاف المنابر شوقا للافتخار باسمه ، واعتزت الممالك بمن زاده الله بسطةً في علمه وجسمه ؛ وهو الذي ما برح مذ نشأ يجاهد في الله حق جهاده ، ويساعد في كل معركة بمرهفات سيوفه ومتلفات صعاده ، ويبدي في الهيجاء صفحته للصفاح فيقيه الله ويبقيه ليجعله ظله في الأرض على عباده وبلاده ، فيردى الأعداء في مواقف تأييده فكم عفر من خد ؟ لملوك الكفر تحت سنابك جياده ؛ ويشفي بصدور سيوفه صدور قوم مؤمنين ، ويسقي ظماء أسنته فيرويها من مورد ورود المشركين ؛ ويطلع في سماء الملك في غرر رأيه نيراتٍ لا تأفل ولا تغور ويظهر من مواهبه ومهابته ما تحسن به الممالك وتحصن به الثغور ؛ فما من حصنٍ أغلقه الكفر إلا وسيفه

الصفحة 99