كتاب المناهل العذبة في إصلاح ما وهي من الكعبة

قائل ذلك لم ير -ما يأتي- أن قريشاً لما أرادوا هدمها، توقفوا عنه؛ خشية أن يصيبهم عذاب، فقال بعضهم: إنما يخشى ذلك من لا يريد الإصلاح، فتوقفوا، فأخذ [الوليد] المعول وقال: اللهم إنا لا نريد إلا الإصلاح، فهدمها، فلما رأوا أنه لم يصبه شيء، تبعوه.
وكذلك وقع لابن الزبير رضي الله عنهما، كما سيأتي بسط ذلك كله.
بل الحجاج إنما كان متأولاً ردها إلى ما كانت عليه في زمنه صلى الله عليه وسلم ، فلذلك لم يصبه شيء، مع أنهم كانوا يرون أن من تعرض لها هلك، كما سيأتي ذلك كله.
فإن قلت: فما وجه التعظيم في إصلاحها؟
قلت: هو أن تركها متشعثة متهدمةً يزيل هيبتها من قلوب كثيرين ليس محط نظرهم إلا الصون وعظمتها، كما سيأتي بسط ذلك. وقد أشار إليه ابن الزبير بقوله الآتي: لو أن بيت أحدكم احترق، لم يرض له إلا بأكمل الإصلاح.
فتأمل ذلك يسهل عليك وقوع هذا الاختلاف الذي يرجع أكثره إلى القول بالاستحسان لا غير.
(تنبيه): لما أتممت هذا الكتاب، رأيت ما أبلج صدري، وزاد بسببه حمدي وشكري؛ إذ وافقت فيما أفتيت به الإمام المتفق على جلالته، وتحقيقه وإمامته، الإمام المحب الطبري، الذي قيل في ترجمته: لم يخرج من مكة -بعد إمامنا الشافعي رضي الله عنه- أفضل منه. وقيل فيها -أيضاً-: ما وجد له بحثٌ رد، أي غالباً.

الصفحة 30