كتاب المناهل العذبة في إصلاح ما وهي من الكعبة

أو لا يجوز هدم ذلك الجدار ولا يغير بابها؛ لأن ابن عباس قال لابن الزبير رضي الله عنهم: ((دعها على ما أقرها عليه النبي صلى الله عليه وسلم ))؟
فقال جماعة بالجواز، وجماعة بالمنع.
وممن قال بجواز ذلك صاحب ((الفروع)) من الحنابلة، وعبارته: ((ويتجه جواز بنائها على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لولا المعارض في زمنه لفعله، كما ورد ذلك مصرحاً به في خبر عائشة رضي الله عنها. قال الإمام ابن هبيرة: فيه أنه يدل على جواز تأخير الصواب لأجل قالة الناس، وقد رأى مالك والشافعي رضي الله عنهما أن تركه أولى؛ لئلا يصير البيت ملعبةً للملوك)). اهـ.
وقول ابن هبيرة: ((إن التأخير لأجل قالة الناس)) فيه نظر، بل ظاهر الخبر أنه لخشية الردة عليهم بنقض بعض بنائهم الذي يعدونه من أكمل شرفهم.
وقوله: ((إن مالكاً والشافعي رضي الله عنهما رأيا أن ترك ذلك أولى))، يشهد له بالنسبة لمالك قول التقي الفاسي من أئمة المالكية: ((ويروى أن الخليفة هارون الرشيد -وقيل: أبوه المهدي، وقيل: جده المنصور- أراد تغيير ما صنعه الحجاج في الكعبة، وأن يردها إلى ما صنع ابن الزبير، فنهاه عن ذلك الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، وقال: نشدتك الله، لا تجعل بيت الله ملعبةً للملوك، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره فتذهب هيبته من قلوب الناس. اهـ بالمعنى.
وكأن مالكاً لحظ في ذلك كون درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وهي قاعدة مشهورة معتمدة)). اهـ كلام الفاسي.

الصفحة 45