كتاب المناهل العذبة في إصلاح ما وهي من الكعبة

فلما قاتله بها أياماً، جمع ابن الزبير أصحابه، فتحصن بهم في المسجد، واستظلوا فيه بخيام عن الشمس وحجارة المنجنيق المنصوب عليهم بأبي قبيس ومقابله.
وكانت حجارته تصيب الكعبة حتى تخرقت كسوتها عليها، ووهنت حجارتها، فطارت شرارةٌ من الخيام المقابلة لما بين اليمانيين أو من بعض أهل الشام، والمسجد حينئذٍ ضيقٌ صغير، فاحترفت الكعبة لشدة الريح مع كون بنائها مدماكاً من حجر، ومدماكاً من ساج، من أسفلها إلى أعلاها.
فلما احترق ما بينهما من الساج، ضعفت، حتى إن حجارتها لتتناثر من وقع الحمام عليها، وتصدع الحجر الأسود حتى ربطه ابن الزبير بعد ذلك بالفضة، ففزع لذلك أهل مكة والشام.
وجاء نعي يزيد بعد حرقها بتسعة وعشرين يوماً، والحصين مستمر على حصار ابن الزبير، فأرسل ابن الزبير إليه من كلموه وعظموا عليه ما أصاب الكعبة، وأنه من رميهم بالنفط، فأنكر، ثم لم يزالوا به حتى ترك، ورحل في ربيع الآخر، سنة أربع وستين.
فدعى ابن الزبير وجوه الناس وأشرافهم، فاستشارهم في هدمها، فأشار عليه القليل من الناس، وأبى الكثير، وكان أشدهم إباءً عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقال: دعها على ما أقرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها، فلا تزال تهدم وتبنى، فيتهاون الناس بحرمتها، ولكن ارقعها. فقال ابن الزبير: والله ما يرضى أحدكم أن يرقع بيت أمه وأبيه، فكيف أرقع بيت الله؟!
واستقر رأيه على هدمها، وكان يحب أن يكون هو الذي يردها على قواعد

الصفحة 82