كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 4)

ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ، وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ، يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ تَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ: أَنَّهُ الذَّبْحُ.
قَالَ أَبُو لبابة: فو الله، مَا زَالَتْ قَدَمَايَ تَرْجُفَانِ، حِينَ عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ.
ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ. وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيَّ، مِمَّا صَنَعْتُ وَعَاهَدَ اللهَ أَنْ لَا يَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا، وَلَا يَرَانِي فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ،
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خَبَرُهُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ. فَأَمَّا إِذْ فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ، مَا أَنَا بِالَّذِي يُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ
[ (31) ] .
هَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ، وَزَعَمَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ ارْتِبَاطَهُ بِسَارِيَةِ التَّوْبَةِ كَانَ بَعْدَ تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حِينَ أَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَيْهِ عَاتِبٌ بِمَا فَعَلَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فِيمَنْ تَخَلَّفَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وعَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ارْتِبَاطِهِ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، مَا يُؤَكِّدُ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ.
__________
[ (31) ] الخبر بطوله في سيرة ابن هشام (3: 188- 190) .

الصفحة 16