كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 4)

والانصار " إِلَى قَوْله: " وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين " فو الله مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي من صدقي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ أَكُونَ (1) كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لتعرضوا عَنْهُم " إِلَى قَوْلِهِ: " فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْم الْفَاسِقين ".
قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خلفوا " لَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا مِنَ الْغَزْوِ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّن حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُم.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ سُقْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَفِيهِ زِيَادَاتٌ
يَسِيرَةٌ.
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
ذِكْرُ أَقْوَامٍ تَخَلَّفُوا مِنَ العصاة غَيْرِ هَؤُلَاءِ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التواب الرَّحِيم " (2) قَالَ: كَانُوا عَشَرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك، فَلَمَّا حَضَرُوا رُجُوعُهُ أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ.
فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: " مَنْ هَؤُلَاءِ؟ " قَالُوا: أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْكَ، حَتَّى تُطْلِقَهُمْ وَتَعْذُرَهُمْ.
قَالَ: " وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذُرُهُمْ حَتَّى يَكُونَ
__________
(1) غير ا: ان لَا أكون.
وَلَا هُنَا زَائِدَة.
أَي أَن أكون.
(2) سُورَة التَّوْبَة.
(*)

الصفحة 48