كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 4)

وَقَدِ اسْتَنَابَهُ عُمْرُ مَرَّتَيْنِ فِي حَجَّتَيْنِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَنَابَهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ يَسْتَنِيبُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَيْضًا.
وَكَانَ عَلِيٌّ يُحِبُّهُ، وَكَانَ يُعَظِّمُ عَلِيًّا وَيَعْرِفُ لَهُ قَدْرَهُ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ شَيْئًا مِنْ حُرُوبِهِ.
وَتَأَخَّرَ بَعْدَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَقِيلَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ.
وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ الْأَئِمَّةَ الَّتِي نَفَذَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى سَائِرِ الْآفَاقِ اللَّائِي وَقَعَ عَلَى التِّلَاوَةِ طِبْقَ رَسْمِهِنَّ الْإِجْمَاعُ وَالِاتِّفَاقُ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ الَّذِي كَتَبْنَاهُ مُقَدِّمَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا التَّفْسِير وَللَّه الْحَمد والْمنَّة.
* * *
وَمِنْهُم السِّجِلُّ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - إِنْ صَحَّ - وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد، حَدثنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: السِّجِلُّ كَاتِبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ " (1) السّجل: الرجل.
هَذَا لَفظه.
وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: " يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل لِلْكِتَابِ " عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
وَأَمَّا شَيْخُهُ يَزِيدُ بْنُ كَعْبٍ الْعَوْذِيُّ الْبَصْرِيُّ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَعَ ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَات.
__________
(1) سُورَة الانبياء.
(*)

الصفحة 683