كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 4)

وفى الصَّحِيحَيْنِ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَرَّ وَهُوَ رَاكِبٌ حِمَارًا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ الله بن أَبى بن سَلُولَ وَأَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُود فَنزل ودعاهم إِلَى الله عزوجل، وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى عِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: لَا أُحْسِنُ مِمَّا تَقُولُ أَيُّهَا الْمَرْءُ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تَغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْإِسْلَامُ، وَيُقَالَ إِنَّهُ خَمَّرَ أَنْفَهُ لَمَّا غَشِيَتْهُمْ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ وَقَالَ: لَا تُؤْذِنَا بِنَتْنِ حِمَارِكَ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: وَاللَّهِ لَرِيحِ حِمَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِكَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: بَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُ ذَلِكَ، فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ وَهَمُّوا أَنْ يقتتلوا، فسكنهم رَسُول الله.
ثمَّ ذهب إِلَى سعد بن عبَادَة فَشَكا إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ.
فَقَالَ: ارْفُقْ بِهِ يارسول الله، فو الذى أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بَعَثَكَ اللَّهُ بِالْحَقِّ، وَإِنَّا لننظم لَهُ الخرز لنملكه علينا، فَلَمَّا جَاءَ الله بِالْحَقِّ شَرَقَ بِرِيقِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ رَكِبَ الْحِمَارَ فِي بَعْضِ أَيَّامِ خَيْبَرَ، وَجَاءَ أَنَّهُ أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى حِمَارٍ.
وَلَوْ أَوْرَدْنَاهَا بِأَلْفَاظِهَا وَأَسَانِيدِهَا لطال الْفَصْل وَالله أعلم.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ رَكِبَ الْحِمَارَ فِي بَعْضِ أَيَّامِ خَيْبَرَ، وَجَاءَ أَنَّهُ أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى حِمَارٍ.
وَلَوْ أَوْرَدْنَاهَا بِأَلْفَاظِهَا وَأَسَانِيدِهَا لَطَالَ الْفَصْلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضُ بْنُ مُوسَى السَّبْتِيُّ فِي كِتَابِهِ الشِّفَا، وَذَكَرَهُ قَبِلُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارٌ يُسَمَّى زِيَادَ بْنَ شِهَابٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُهُ لِيَطْلُبَ لَهُ بَعْضَ أَصْحَابه فيجئ إِلَى بَابِ أَحَدِهِمْ فَيُقَعْقِعَهُ فَيَعْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُهُ، وَأَنَّهُ ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُلَالَةُ سَبْعِينَ حِمَارًا كُلٌّ مِنْهَا رَكِبَهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَمَاتَ، فَهُوَ حَدِيثٌ لَا يُعَرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ

الصفحة 716