كتاب الممتع في شرح المقنع ت ابن دهيش ط 3 (اسم الجزء: 4)

قال: (وكل من ورث المال وَرِث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام. ومن لا وارث له وليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء عفى).
أما كون كل من ورث المال ورث القصاص حتى الزوجين وذوي الأرحام؛ فلأن القصاص أحدُ بَدَلي النفس. فكان موروثاً لمن يرث المال؛ كالدية. وفي الحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورّث زوجة أُشَيْم من دية زوجها» (¬1).
وأما كون من لا وارث له وليه الإمام؛ فلأن الإمام ولي من لا ولي له.
وأما كون الإمام له الخيرة في القصاص والعفو؛ فلأن ذلك شأن الولي.
إذا ثبت ما ذُكر فظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا أن للإمام العفو على غير مال؛ لأنه أطلق العفو.
وقال في المغني: وإن أحب العفو إلى غير مال لم يملكه؛ لأن ذلك للمسلمين ولا حظ لهم في هذا. ولم يحك فيه خلافاً.
فعلى هذا يجب حمل كلامه هنا على العفو على مال حملاً لمطلق كلامه هنا على مقيده في المغني مع موافقة الدليل. وذلك أن خيرة الإمام هنا خيرة مصلحة لأنه نائب المسلمين. بخلاف خيرة الولي من الورثة فإنها لا تعتمد ذلك. وقد تقدم في غير موضع أن خيرة الإمام خيرة مصلحة فليكن هاهنا كذلك. وإذا كانت خيرة مصلحة لم يصح العفو على غير مال لعدم المصلحة فيه.
فإن قيل: لو رأى الإمام المصلحة في ترك خراج إنسان جاز. فما الفرق؟
قيل: العدول عن القصاص إنما جاز لكون المصلحة للمسلمين في الدية، وعند تحقق المصلحة في الدية يمتنع أن تكون المصلحة في تركها. وعلى تقدير تصور المصلحة في ذلك الفرق بينهما أن الدية بدل متلف فلو جاز تركها لأدى إلى هدر كون التلف موجباً وذلك منتف.
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود في سننه (2927) 2: 129 كتاب الفرائض، باب: في المرأة ترث من دية زوجها.

الصفحة 52