كتاب لسان العرب (اسم الجزء: 4)

الْوَجْهُ الْقَوِيُّ لأَنه لَا يحققُ أَحدٌ هَمْزَةَ آخِر، وَلَوْ كَانَ تَحْقِيقُهَا حَسَنًا لَكَانَ التحقيقُ حَقِيقًا بأَن يُسمع فِيهَا، وإِذا كَانَ بَدَلًا أَلْبَتَّةَ وَجَبَ أَن يُجْرى عَلَى مَا أَجرته عَلَيْهِ العربُ مِنْ مُرَاعَاةِ لَفْظِهِ وَتَنْزِيلِ هَذِهِ الْهَمْزَةِ منزلةَ الأَلِفِ الزَّائِدَةِ الَّتِي لَا حظَّ فِيهَا لِلْهَمْزِ نحو عالِم وصابِرٍ، أَلا تراهم لما كسَّروا قالوا آخِرٌ وأَواخِرُ، كَمَا قَالُوا جابِرٌ وجوابِرُ؛ وَقَدْ جَمَعَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بَيْنَ آخَرَ وقَيصرَ توهَّمَ الأَلِفَ هَمْزَةً قَالَ:
إِذا نحنُ صِرْنا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ... وراءَ الحِساءِ مِنْ مَدَافِعِ قَيْصَرَا
إِذا قُلتُ: هَذَا صاحبٌ قَدْ رَضِيتُه، ... وقَرَّتْ بِهِ العينانِ، بُدّلْتُ آخَرا
وتصغيرُ آخَر أُوَيْخِرٌ جَرَتِ الأَلِفُ المخففةُ عَنِ الْهَمْزَةِ مَجْرَى أَلِفِ ضَارِبٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما
؛ فسَّره ثعلبٌ فَقَالَ: فَمُسْلِمَانِ يقومانِ مقامَ النصرانيينِ يَحْلِفَانِ أَنهما اخْتَانا ثُمَّ يُرْتجَعُ عَلَى النصرانِيَّيْن، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ أَو آخَرانِ مِنْ غَيْرِ دِينِكُمْ مِنَ النَّصَارَى واليهودِ وَهَذَا لِلسَّفَرِ وَالضَّرُورَةِ لأَنه لَا تجوزُ شهادةُ كافرٍ عَلَى مسلمٍ فِي غَيْرِ هَذَا، وَالْجَمْعُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، والأُنثى أُخرى. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى
؛ جَاءَ عَلَى لَفْظِ صفةِ الواحدِ لأَن مآربَ فِي مَعْنَى جماعةٍ أُخرى مِنَ الحاجاتِ ولأَنه رأُس آيَةٍ، وَالْجَمْعُ أُخْرَياتٌ وأُخَرُ. وَقَوْلُهُمْ: جَاءَ فِي أُخْرَيَاتِ الناسِ وأُخرى القومِ أَي فِي أَواخِرهِم؛ وأَنشد:
أَنا الَّذِي وُلِدْتُ فِي أُخرى الإِبلْ
وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ
؛ مِنَ العربِ مَنْ يَقولُ فِي أُخراتِكُمْ وَلَا يجوزُ فِي القراءةِ. اللَّيْثُ: يُقَالُ هَذَا آخَرُ وَهَذِهِ أُخْرَى فِي التَّذْكِيرِ والتأْنيثِ، قَالَ: وأُخَرُ جَمَاعَةٌ أُخْرَى. قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وأُخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزواجٌ؛ أُخَرُ لَا ينصرِفُ لأَن وحدانَها لَا تنصرِفُ، وَهُوَ أُخْرًى وآخَرُ، وَكَذَلِكَ كلُّ جَمْعٍ عَلَى فُعَل لَا ينصرِفُ إِذا كَانَتْ وُحدانُه لَا تنصرِفُ مِثلُ كُبَرَ وصُغَرَ؛ وَإِذَا كَانَ فُعَلٌ جَمْعًا لِفُعْلةٍ فإِنه ينصرِفُ نَحْوَ سُتْرَةٍ وسُتَرٍ وحُفْرَةٍ وحُفْرٍ، وَإِذَا كَانَ فُعَلٌ اسْمًا مَصْرُوفًا عَنْ فاعِلٍ لَمْ ينصرِفْ فِي الْمَعْرِفَةِ ويَنْصَرِفُ فِي النَّكِرَةِ، وَإِذَا كَانَ اسْمًا لِطائِرٍ أَو غَيْرِهِ فإِنه ينصرفُ نَحْوُ سُبَدٍ ومُرَعٍ، وَمَا أَشبههما. وَقُرِئَ: وآخَرُ مِنْ شكلِه أَزواجٌ؛ عَلَى الواحدِ. وَقَوْلُهُ: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى
؛ تأْنيث الآخَر، وَمَعْنَى آخَرُ شيءٌ غيرُ الأَوّلِ؛ وقولُ أَبي العِيالِ:
إِذا سَنَنُ الكَتِيبَةِ صَدَّ، ... عَنْ أُخْراتِها، العُصَبُ
قَالَ السُّكَّريُّ: أَراد أُخْرَياتِها فَحَذَفَ؛ وَمِثْلُهُ مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
ويتَّقي السَّيفَ بأُخْراتِه، ... مِنْ دونِ كَفِّ الجارِ والمِعْصَمِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا مذهبُ البَغدادِيينَ، أَلا تَراهم يُجيزُون فِي تَثْنِيَةِ قِرْقِرَّى قِرْقِرَّانِ، وَفِي نَحْوِ صَلَخْدَى صَلَخْدانِ؟ إِلَّا أَنَّ هَذَا إِنَّما هُوَ فِيمَا طَالَ مِنَ الْكَلَامِ، وأُخْرَى لَيْسَتْ بطويلةٍ. قَالَ: وَقَدْ يمكنُ أَن تَكُونَ أُخْراتُه وَاحِدَةً إِلَّا أَنَّ الأَلِفَ مَعَ الهاءِ تكونُ لِغَيْرِ التأْنيثِ، فإِذا زَالَتِ الهاءُ صارتِ الأَلفُ حِينَئِذٍ للتأْنيثِ، ومثلُهُ بُهْمَاةٌ، وَلَا يُنكرُ أَن تقدَّرَ الأَلِفُ الواحدةُ فِي حالَتَيْنِ ثِنْتَيْنِ تقديرينِ اثنينِ، أَلَا تَرَى إِلى قَوْلِهِمْ عَلْقَاةٌ بِالتَّاءِ؟ ثُمَّ

الصفحة 13