كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 4)

وأعلاه منزلة: أن يكون في هذين حافظاً لقلبه، قد راض نفسه، وماتت شهواته، فما ورد عليه من أحكام الله، رضي بها، واهتشت نفسه إلى قبولها؛ حباً لله، وإعظاماً له، وشغوفاً به، وما أعطي من الدنيا، قنع به، وكان كالخازن الذي يعطيه مولاه شيئاً يأتمنه عليه، فهو يمسكه بالأمانة، يرقب متى يومئ إليه، حتى يبذله من غير تلجلج، وما ورد عليه من أمره ونهيه، أنفذه من غير أن يلتفت إلى عوض عنها في عاجل، أو ثواب في آجل.
وكذلك تجد في العبيد، لو أن رجلاً أعطى عبداً له مئة درهم عطية ينتفع بها، ثم قال: أعط فلاناً درهماً، فإن أعطى هذا العبد على أنه يعوضه مولاه مثله، أو يعطيه بدله درهمين، فليس هذا صدقاً في الباطن، إنما بذل ذلك على طمع نوال، فهذه متاجرة.
وإن الله -تبارك وتعالى- خلق العبد ذا شهوات، والسابقون راضوا نفوسهم، وفطموها عن الشهوات، فلما جاءهم أمر الله وأحكامه؛ انقادوا، وذلت نفوسهم لأمره؛ إعظاماً لجلاله، ذلة العبيد الذين قد استسلموا لسيدهم، فهم المبهوتون في طاعة الله، ولا يقنعون، أمور الدنيا والآخرة قد استوت لهم؛ لأنهم لله، وبالله، لا يخطر على بالهم عند تصرفهم في الأمور اختبار الأمور والأحوال.

الصفحة 503