كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 4)

فإن كان في مرمة نفس أو معاش، فهو لله، فإن كان في مرمة أمر الآخرة؛ من الصوم، والصلاة، وأنواع البر، فهو لله، وأعمارهم غير معطلة كلها عبادة لمليكهم؛ لأنهم عبدوا الله بنومهم كما عبدوه بسهرهم، وعبدوه بأكلهم كما عبدوه بجوعهم، وعبدوه بأخذ الدنيا وتناولها كما عبدوه بتركها، إنما نظرهم إلى تدبيره لهم، فعلى أي حال ساروا بهم إليه، ساروا طيبة بذلك نفوسهم، حسنة أخلاقهم.
والآخرون: هم المقتصدون، لم يروضوا أنفسهم، ولا فطموها عن الشهوات، فلا ذلت نفوسهم، ولا انقادت إلا لما هويت واشتهت، إلا أن خوف الوعيد حال بين نفوسهم وبين المعاصي، فحجزهم عن أعمال الهلكى، وحملهم على أعمال أهل النوال لما طمعوا من الثواب.
ألا وقد نجد مثل هذا الفعل من الدواب أنها تتلكأ وتتبطأ في السير، حتى إذا أحست بالدنو من المنزل، استقلت بالحمولة، وجدت السير تحنناً إلى الأداري، وربما رأى أنثى، فيهتاج لذلك تراها في سيرها مستقلاً بحمولة مجدة.
وربما أحست بالسوط في جنبها من واليها، فتهتاج في السير، فإذا نظر المنتبه إلى هذا من فعل الدواب، استحيا من أن يكون شيبهاً بهم،

الصفحة 504