كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 4)

لأن هذه معونة قد أتتهم من الله، خلق لهم دار الثواب، ووصفها لهم على ألسنة الرسل؛ كي إن تلكأت نفوسهم على الانبعاث لأعمال البر، طمعت لدار السلام وما فيها، فسلست، وأعطت بزمامها، فإن جمحت على الوثوب فيما زجرت عنه، ذلت وانقبضت وانخشعت.
فهؤلاء قوم انقادوا لله من أجل نفوسهم، وليس هذا بخالص العبودة، وإنما خالص العبودة لقوم هامت قلوبهم في حب الله، وهانت نفوسهم في جلال الله وعظمته، فانبعثوا لأعمال البر شغوفاً به؛ إذ علموا أنه يحب ذلك، فامتنعوا من الآثام هيبة له، وإجلالاً؛ إذ علموا أنه مساخطه ومكروهه.
فأما قوله: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن}، والناس في هذا الحزن ذوو درجات، كلٌّ إنما يحمده على إذهاب حزنه.
فأما المتقون: فكان حزنهم قطع النار، وفوت الجنة، وأيام الحياة مجاهدة النفس.
والصديقون: حزنهم تقصير ما لزمهم من شكر العصمة والتوفيق؛ بأن وفقهم للطاعات، وعصمهم من الآثام، فوجدوا أنفسهم مقصرين في شكره ينتظرون العفو.

الصفحة 505