كتاب رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 4)

المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ" (¬1)، فكشف له قناع البيان عن القرآن، فاستمر عليه، والتزمَ من ذلك ما لزمه، وخرج حتى دخلَ مكة، فأمر أصحابَه أن يفسخوا الحجَّ إلى العمرة، فقالوا له: كيف نفعل ذلك، وقد أَهْلَلْنا بالحج؟ فقال لهم: "افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، فَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الهَدْيَ، لأَحْلَلْتُ كَمَا تُحِلُّونَ"، وقال: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتَ الهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً"، فارتفع التناقضُ، وزال التعارضُ، وانتظم القولُ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والعملُ منه ومن أصحابه (¬2)، انتهى.
وقد تعلق أحمدُ بنُ حنبل رحمه اللَّه في أفضلية التمتُّع بقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لَوِ استقبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ" الحديث، فتمنى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يكون متمتِّعًا، ولا يتمنَّى إلا الأفضلَ.
وأجيب: بأنه -عليه الصلاة والسلام- أيضًا بأنه لا يفعلُ إلا الأفضلَ، وكيف يفوِّتُه اللَّه -تعالى- الأفضلَ، وَيَرُدُّهُ إلى الأَدْوَن؟!
وقيل: إنما قالَ هذا من أجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاصٌّ لهم تلك السنةَ خاصةً؛ لمخالفةِ الجاهلية، ولم يُرَدْ بذلك التمتع الذي فيه (¬3) الخلاف.
¬__________
(¬1) رواه البخاري (6911)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحض على اتفاق أهل العلم.
(¬2) انظر: "القبس" لابن العربي (10/ 208).
(¬3) في "ت": "في".

الصفحة 41