كتاب رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 4)
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قولها: "وهبتُكَ نفسي": لابد من تقدير مضاف محذوفٍ؛ أي: أمرَ نفسي، أو شأنَ نفسي، ونحو ذلك.
فيه: دليل على عَرْض المرأةِ نفسَها على أهل الدين والصلاح، وسكوتُه -عليه الصلاة والسلام- تقرير لجواز هذه الهبة المختصّ بها -عليه الصلاة والسلام-؛ لقوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]؛ كما تقدم، ولذلك قال له الرجل: "زوّجنيها إن لم يكنْ لكَ بها حاجةٌ"، ولم يقل: هَبْنيها؛ لما علم من اختصاصه -عليه الصلاة والسلام- بذلك، وقد نقل عن (¬1) الشافعي -رضي اللَّه عنه-: أنه قال: في الحديث دليل على أن الهبة لا تدخل في ملك الموهوب إلا بالقبول؛ لأن الموهوبةَ كانت جائزةً للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد وهبتْ هذه له نفسَها، فلم تصر زوجةً له بذلك (¬2).
قلت: الذي (¬3) يظهر لي: أنه لا دليل في ذلك على اشتراط لفظ القبول؛ لأنا نقول: الهبةُ تصح بأحد أمرين: إما لفظ (¬4) القبول، أو
¬__________
(¬1) في "ت": "من".
(¬2) انظر: "المعلم" للمازري (2/ 148)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 578).
(¬3) في "ت": "أنه".
(¬4) "لفظ" ليس في "ز".