كتاب الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (اسم الجزء: 4)

وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. أطرافه 1526، 1529، 1530، 1845
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قيل له الميقات مع أنه لتعيين المكان لا الوقت -وهو الزمان- لأن الحوادث أكثر ما تضبط بالأوقات (حثى أهلُ مكة من مكة) لا يجب عليهم الخروج إلى ميقات آخر، إلاّ أن من لم يكن طريقه على أحد هذه المواقيت يكفيه محاذاةُ أحدها بمقدار مسافته.
باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة
فإن قُلْتَ: الإحرام من دويرة أهله جائز بلا خلاف؛ بل هو أفضله، فما وجه قوله: لا تهلوا قبل ذي الحليفة، بصيغة الحصر؟ قُلْتُ: معناه لا يجب عليهم بدليل حديث الباب؛ فإنه دليل الترجمة ولا حصر فيه.
فإن قلت: معلوم أنه لا يجب الإحرام قبل الميقات كما في سائر البلاد، فأيُّ فائدة في هذا الحصر في أهل المدينة خاصة؟. قلت: لما قدّم أن أهل مكة يهلون من نفس مكة؛ كان مظنة أن يُظن أن المدينة مثل مكة، فدفع ذلك. وقيل: ربما كان مذهب البخاري عدم جواز الإحرام قبل الميقات، أو معنى قوله: قبل ذي الحليفة، قُدّام ذي الحليفة؛ أي: لا يتجاوز، أو النهي للتنزيه، والكل فاسد؛ أمّا كونه مذهب البخاري؛ فلأن الحديث لا يدل على ذلك، فكيف يكون مستدلًا بما لا دلالة فيه؛ وكون معنى: قبل ذي الحليفة، قُدَّام ذي الحليفة شيء لا يدل عليه اللفظ؛ فإن القبلية إنما تكون من طرف سالك الطريق لا من مقابله؛ وأما كونه تنزيهًا؛ فلأن الأئمة على أن الإحرام من دويرة أهله أفضل.
هذا، وقد روى ابن ماجه بسند صحيح وابن حبان في صحيحه: "من أهلّ من المسجد الأقصى غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر" ومثله عن أبي داود والبيهقي.
ولا ريب أن البخاري واقف على هذه الأحاديث وإن لم تكن على شرطه، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على الجواز.

الصفحة 13