كتاب موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام (اسم الجزء: 4)
ثانيا: الصبر والتحمل للمشاق فى سبيل الحصول على العلم، فأن الضجر
يقيد الهمة ويفوت الفرصة، ومن لم يتحمل ذل التعلم ساعة بقى فى ذل الجهل
أبدا ومن تعب صغيرا استراح كبمرا، ومن جلس صغيرا حيث يكره جلس كبيرا
حيث يحب، فلا تتألم من التمارين القاسية والواجبات الكثيرة والمسائل المعقدة،
والسنوات الطويلة والمواصلات الصعبة والعيش الخشن والجو القاسى والنفقات
الباهظة، فكل ذلك يهون فى سبيل الغاية الكريمة، يقول ابن عباس: ذللت طالبا
فعززت مطلوبا (1). ويقول الا صفهانى فى المحاضرات: لا يتأدب الرجل حتى
يتجنب الفراش الوطىء والدثار الدفىء، وذكر ياقوت فى معجمه أن الأ حمر
صاحب الكسائى كان رجلا نوبيا - صاحب نوبة - على باب الرشيد، وكان
يحب علم العربية، فكان يرصد مسير الكسائى إلى الرشيد ويعرض له فى طريقه
كل يوم، فإذا أقبل تلقاه وأخذ بركابه، ثم أخذ بيده وأنزله وما شاه إلى أن يبلغ
الستر، وسأله فى طريقه عن المسألة فإذا دخل الكعسائى رجع الا! حمر إلى مكانه،
حتى إذا خرج الكسائى من الدار تلقاه لدى المستر وأخذ بيده وساءله إلى أ ن
يركب ويجاوز المضارب ثم ينصرف إلى الباب، فلم يزل كذلك يتعلم المسألة
بعد المسألة حتى تمكن، ثم صار بعد ذلك معلما لأ ولاد الرشيد (2).
وكان ابن عباس يتحمل المشاق فى سبيل تحصيل العلم، فقد انتظر على
باب زيد بن ثابت من الظهر إلى العصر بين الحر والريح السافية حتى إذا خرج
سأله ما يريد، وسيأتى بتمامه، وصور التحمل كثيرة، منها:
(أ) تحمل متاعب الرحلات والا سفار والبعثات إلى البلاد النائية فى أجواء
مختلفة ومجتمعات متغايرة وطباع متنوعة، والإسلام حث على طلب العلم ولو
فى أقصى البلاد (3)، وقد وصل طلاب العلم فى الماضى إلى أقاصى البلاد،
يتلقون العلم عن العلماء الموزعين فى الا! مصار، قبل ان توجد الكتب وتبنى
__________
(1) أدب الدنيا والدين ص 59. (2) تاريخ التربية ص ه 30.
(3) حديث " اطلبوا العلم. ولو فى الصين " متنه مشهور وسنده ضعيف كما قال
الحراكا- الإحياء ص! ا ص 8.
327