كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)

وأخرجه أبو داود (¬1): ثنا زياد بن أبي أيوب، ثنا هشيم، أنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "لا أدري كان رسول الله - عليه السلام - يقرأ في الظهر والعصر أم لا؟ ". انتهى.
فقد أخبر في هذا أنه لم يتحقق عنده عدم قراءة رسول الله - عليه السلام - في الظهر والعصر فإذا انتفى تحقق ذلك عنده عن النبي - عليه السلام - انتفى ما قاله أيضًا من ذلك القول؛ لأن غيره من الصحابة قد تحققوا قراءة رسول الله - عليه السلام - في الظهر والعصر، إلى ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى.
وقال الخطابي في جواب هذا: إنه وهم من ابن عباس - رضي الله عنهما - لأنه قد ثبت عن النبي - عليه السلام - أن كان يقرأ في الظهر والعصر من طرق كثيرة، كحديث أبي قتادة وخباب بن الأرت وغيرهما.
قلت: عندي جواب أحسن من هذا مع رعاية الأدب في حق ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو أن ابن عباس استند في هذا أولًا على قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (¬2) وهو مجمل بيَّنه - عليه السلام -بفعله، ثم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬3) والمرئي هو الأفعال دون الأقوال والصلاة اسمًا للفعل في حق الظهر والعصر، وللفعل والقول في حق غيرهما, ولم يبلغ ابن عباس قراءته - عليه السلام - في الظهر والعصر، فلذلك قال في جواب عبد الله بن عبيد الله: لا. فلما بلغه خبر قراءته - عليه السلام -: فيهما، وثبت عنده رجع من ذلك القول.
والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (¬4): ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر".
¬__________
(¬1) "سنن أبي داود" (1/ 274 رقم 809).
(¬2) سورة البقرة، آية: [42] وغيرها.
(¬3) أخرجه البخاري (1/ 226 رقم 602).
(¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (1/ 318 رقم 3637).

الصفحة 12