كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
ش: أي كان أحد من روى القنوت في الصبح أيضا عن النبي - عليه السلام - عبد الله بن عمر، يعني روى أنه قنت في الصبح، ثم أخبر أن ذلك انتسخ حين أُنزل عليه - عليه السلام - قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (¬1) الآية، بيان ذلك على وجهين:
الأول: أنه روى عن النبي - عليه السلام - أنه كان يقنت بعد الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر، وشاهد ذلك عن النبي - عليه السلام - ورآه، ثم رأى بعده أنه - عليه السلام - ترك ذلك القنوت الذي كان يقنته حين أنزل الله تعالى عليه - عليه السلام -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، وليس ذلك إلا نسخ ذلك الحكم.
فإن قيل: لعل ذلك خفي على ابن عمر كما خفي عليه المسح على الخفين؛ حيث لم ير ذلك.
قلت: كيف يخفى ذلك عليه، والحال أنه روى عن النبي - عليه السلام - أنه قنت؟! بخلاف المسح على الخفين فإنه لم يرو فيه شيئًا، ولعل رواية غيره فيه لم تبلغه، وهذا الكلام قد قاله البيهقي أيضًا حيث قال في "سننه": وهذه سنة خفيت على ابن عمر، وهذا بعيد بل مستحيل في حق ابن عمر - رضي الله عنهما -؛ لأنه مع كثرة مجالسته مع النبي - عليه السلام - وشدة ملازمته كيف ينسى ذلك أو يغفل عنه؟! ولئن سلمنا أنه خفي عليه ما كان من النبي - عليه السلام - ولكن لا نسلم أنه خفي عليه ما كان من أبيه عمر - رضي الله عنه -، فإنه لما سأله أبو مجلز عن قنوت عمر - رضي الله عنه -، فقال: "ما رأيته ولا شهدته".
وقال الشعبي: "كان عبد الله لا يقنت، ولو قنت عمر - رضي الله عنه - لقنت عبد الله، وعبد الله يقول: لو سلك الناس واديًا وشعبًا وسلك عمر واديًا وشعبًا لسلكت وادي عمر وشعبه".
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" (¬2): ثنا ابن إدريس، عن أبي مالك، عن أبيه قال: "قلت له: صليت خلف رسول الله - عليه السلام - وأبي بكر وعمر وعثمان، أفكانوا يقنتون؟
¬__________
(¬1) سورة آل عمران، آية: [128].
(¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (2/ 101 رقم 6963).