كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
حجة في بطلان قول من قال ... إلى آخره" ليس كذلك؛ لأن مراد من يقول: "إن ابن عمر جهل القنوت" القنوت الذي كان يفعله بعض الناس من بعد النبي - عليه السلام - حيث قال لما سئل عنه: "ما شعرت" وليس مراده أنه جهل القنوت المنسوخ الذي فعله - عليه السلام - شهرًا ثم تركه، فإنه هو الذي رواه كما روى غيره، فكيف يجهل بشيء قد رواه وعلمه؟!.
الوجه الثاني في بيان النسخ: أن ترك ابن عمر - رضي الله عنهما - القنوت في الصبح بعد روايته دليل على أنه قد انتسخ ذلك إذ لو كان حكمه باقيا لا تركه؛ لأن عمل الراوي بخلاف روايته يدل على أن ما رواه منسوخ؛ إذ إقدامه على ذلك بالترك يدل على ذلك كما علم ذلك في موضعه، وأيضًا فإنه - رضي الله عنه - أنكر على من كان يقنت، ولو كان حكمه باقيا غير منسوخ لا وسعه الإنكار.
ثم الآثار التي أخرجها عن ابن عمر أربعة:
الأول: عن ابن مرزوق، عن عبد الصمد بن عبد الوارث البصري، عن شعبة بن الحجاج، عن قتادة بن دعامة، عن أبي مجلز لاحق بن حميد.
وهذا إسناد صحيح في غاية الصحة؛ لأن رجاله رجال الجماعة ما خلا ابن مرزوق.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (¬1): ثنا عثمان بن عمر الضبي، ثنا عمرو بن مرزوق، أنا شعبة، عن قتادة، عن أبي مجلز قال: "صليت خلف ابن عمر فلم يقنت، فقلت: ما منعك من القنوت؟ فقال: إني لا أحفظ عن أحد من أصحابي".
وأخرجه ابن جرير الطبري "في تهذيب الآثار" (¬2) نحوه، من حديث شعبة، عن قتادة.
¬__________
(¬1) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 137)، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات.
(¬2) "تهذيب الآثار" (6/ 218 رقم 2725).