كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
وقد روى عنه حميد: "أن النبي - عليه السلام - إنما قنت عشرين يومًا" فهؤلاء كلهم قد أخبروا عنه بخلاف ما روى عمرو، عن الحسن.
وروى عنه عاصم إنكار القنوت بعد الركوع أصلًا، وأن النبي - عليه السلام - إنما فعل ذلك شهرًا, ولكن القنوت قبل الركوع، يضاد ذلك أيضًا ما روى عَمرو بن عبيد وخالفه، فلم يجز لأحد أن يحتج في حديث أنس بأحد الوجهين مما روي عن أنس؛ لأن لخصمه أن يحتج عليه بما روي عن أنس مما يخالف ذلك.
وأما قوله: ولكن القنوت قبل الركوع فلم يذكر ذلك عن النبي - عليه السلام -، فقد يجوز أن يكون ذلك أخذه عمن بعده أو رأيا رآه، فقد رأى غيره من أصحاب النبي - عليه السلام - خلاف ذلك، فلا يكون قوله أولى من قول من خالفه إلا بحجة تبين لنا.
ش: أي كان أحد من روى القنوت في الصبح أيضا عن النبي - عليه السلام -: أنس بن مالك - رضي الله عنه -، هذا جواب ما روي عن أنس - رضي الله عنه -، بيانه: أنه لا يصلح حجة لأحد من الخصوم؛ لأن الرواية عنه في ذلك مضطربة، فروى عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري، عن أنس: "أن رسول الله - عليه السلام - لم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقه". وروى عنه محمَّد بن سيرين: "أنه - عليه السلام - كان يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع يسيرًا" ولم يذكر فيه حتى فارقه، وروى عنه إسحاق بن عبد الله: "أنه قنت النبي - عليه السلام - ثلاثين صباحًا"، فهذا مقيد بالمدة المذكورة، وكذلك روى قتادة عنه، وروى عنه حميد الطويل: "أن النبي - عليه السلام - إنما قنت عشرين يوما" فهذا أيضا مقيد بمدة أقل من تلك المدة.
وروى البزار عن حميد عن أنس: "خمسة عشر يومًا" وقد ذكرناه، وفي رواية لابن مندة: "تسعة وعشرين ليلة" وقد ذكرناها أيضا، وروى عنه عاصم الأحول إنكار القنوت بعد الركوع أصلًا، وأن النبي - عليه السلام -، إنما فعل ذلك شهرًا، ولكن القنوت قبل الركوع.
فهذه روايات كما ترى مضطربة مختلفة، وفي بعضها تضاد؛ لأن رواية عاصم الأحول تضاد رواية عمرو بن عبيد، عن الحسن في قوله: "لم يزل يقنت بعد الركوع