كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)

في صلاة الغداة" فحينئذ لم يجز لأحد أن يحتج في حديث أنس بأحد الوجهين -بالنفي أو الإثبات- لأن لأحد الخصمين أن يحتج على الآخر بما يحتج به من خلاف ما يحتج به.
على أنه قد روى عن أنس أيضا ما يدل على أن القنوت في الصبح منسوخ.
وهو ما رواه أبو داود (¬1): ثنا أبو الوليد، نا حماد بن سلمة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك: "أن النبي - عليه السلام - قنت شهرًا ثم تركه".
فقوله: "ثم تركه" يدل على أن القنوت في الفرائض ثم نسخ.
فإن قيل: قد قال الخطابي: معنى قوله: "ثم تركه" أي ترك الدعاء على هؤلاء القبائل المذكورة في الأحاديث في هذا الباب، أو ترك القنوت في الصلوات الأربع، ولم يتركه في صلاة الفجر.
قلت: لا ينبغي أن يصدر مثل هذا الكلام عن مثل الخطابي، فإنه كلام متحكم متعصب، فإن الضمير في تركه يرجع إلى القنوت الذي يدل عليه قوله: "قنت" لما وهو عام يتناول جميع القنوت في جميع الصلوات، وتخصيص الفجر من بينها -بلا دليل يدل عليه- باطل.
وقوله: "أي ترك الدعاء" لا يصح أيضا؛ لأن الدعاء لم يمض ذكره في هذا الحديث، ولئن سلمنا؛ فالدعاء ها هنا هو عين القنوت، وما ثم شيء غيره، فيكون قد ترك القنوت، والترك بعد العمل نسخ. فافهم.
وقوله: "وأما قوله: ولكن القنوت قبل الر كوع ... " إلى آخره إشارة إلى أن أنسًا - رضي الله عنه - لم يثبت عنده شيءٌ من القنوت قبل الركوع؛ لأن قوله: ولكن القنوت قبل الركوع ليس عن النبي - عليه السلام - , لأنه لم يذكر ذلك عنه - عليه السلام -، فيجوز أن يكون قد أخذ ذلك عن أحد من الصحابة، أو يكون ذلك رأيًا رآه باجتهاده، فإن كان ذلك رأيا ة فقد رأى غيره من الصحابة خلاف ذلك، وهو أن يكون بعد الركوع "فلا
¬__________
(¬1) "سنن أبي داود" (1/ 458 رقم 1445).

الصفحة 348