كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
يكون قول أنس أولى وأرجح من قول غيره إلا بحجة تبين جهة الرجحان والأولوية، وإن كان عن أحد من الصحابة، فقد روي عن غيره خلافه فلا تقوم به حجة. فافهم.
ص: فإن قال قائل: قد روى أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس قال: "كنت جالسًا عند أنس بن مالك، فقيل له: إنما قنت النبي - عليه السلام - شهرًا، فقال: ما زال رسول الله - عليه السلام - يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا".
قيل له: قد يجوز أن يكون ذلك القنوت هو القنوت الذي رواه عمرو، عن الحسن، عن أنس، فإن كان ذلك كذلك فقد ضاده ما قد ذكرناه، ويجوز أن يكون ذلك القنوت قبل الركوع الذي ذكره أنس في حديث عاصم، فلم يثبت لنا عن أنس عن النبي - عليه السلام - في القنوت قبل الركوع شيء، وقد ثبت عنه النسخ للقنوت بعد الركوع.
ش: أخرج الطحاوي حديث أبي جعفر الرازي فيما مضى عن قريب، عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس قال: "كنت جالسًا عند أنس بن مالك، فقيل له: إنما قنت رسول الله - عليه السلام - شهرًا، فقال: مازال رسول الله - عليه السلام - يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا".
تقرير السؤال: أن هذا الحديث صريح على أن القنوت في الصبح لم ينسخ، وأنه باق حكمه، وهو ظاهر.
وتقرير الجواب أن يقال: إن قوله: ما زال رسول الله - عليه السلام - يقنت في صلاة الغداة، يحتمل أن يكون أريد به القنوت الذي رواه عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري، عن أنس: "أن رسول الله - عليه السلام - لم يزل يقنت بعد الركوع حتى فارقه"، فحينئذ يعارضه ويضاددُهُ ما رواه غيره كإسحاق بن عبد الله: "أنه قنت ثلاثين صباحًا"، وحميد: "أنه إنما قنت عشرين يومًا"، فإذا كان كذلك لا تقوم به حجة لما ذكرنا، ويحتمل أن يكون المراد من القنوت هو القنوت قبل الركوع الذي ذكره أنس في حديث عاصم الأحول.