كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
ابن الجوزي: وقد أورد الخطيب في كتابه الذي صنفه في القنوت أحاديث أظهر فيها تعصبه فمنها: ما أخرجه عن دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك، عن أنس قال: "ما زال رسول الله - عليه السلام - يقنت في صلاة الصبح حتى مات"، قال: وسكوته عن القدح في هذا الحديث واحتجاجه به وقاحة عظيمة، وعصبية باردة، وقلة دين؛ لأنه يعلم أنه باطل، قال ابن حبان: دينار يروي عن أنس أشياء موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيها. فواعجبا للخطيب؛ أما سمع في الصحيح: "من حدث عني حديثا، وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". وهل مثله إلا كمثل من أنفق بهرجًا ودلسه، فإن أكثر الناس لا يعرفون الصحيح من السقيم، وإنما يظهر ذلك للنقاد، فإذا أورد الحديث محدث واحتج به حافظ لم يقع في النفوس إلا أنه صحيح.
ومن نظر في كتابه الذي صنفه في القنوت، وكتابه الذي صنفه في الجهر بالبسملة، واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم بطلانها؛ اطلع على عصبيته وقلة دينه، ثم ذكر له أحاديث أخرى كلها عن أنس أن النبي - عليه السلام - لم يزل يقنت في الصبح حتى مات، وطعن في أسانيدها.
فإن قيل: ذكره البيهقي في "سننه" أيضا ثم قال: قال الحاكم صحيح، وقال في "المعرفة": وله شواهد عن أنس ذكرناها في "السنن".
قلت: قد تحقق بينهم مجازفة الحاكم في التصحيح، والعجب من البيهقي أيضا سكوته عن ذلك وإقراره عليه، وليس ذلك إلا من آثار العصبية الفاسدة.
وأما الشواهد التي ذكرها فهي ما أخرجه في "سننه" (¬1): من حديث الغضائري، ثنا عثمان بن السماك، نا أبوقلابة، نا قريش بن أنس، نا إسماعيل المكي، وعَمرو بن عبيد، عن الحسن عن أنس قال: "قنت رسول الله - عليه السلام - وأبو بكر وعمر وعثمان -وأحسبه ذكر رابعًا- حتى فارقتهم" رواه عبد الوارث عن عمرو بن عبيد فقال: "في صلاة الغداة".
¬__________
(¬1) "سنن البيهقي الكبرى" (2/ 202 رقم 2928).