كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
عليه، فأما القنوت الذي كان مع ذلك فلم ينسخ ولم يرتفع حكمه، فلهذا قنت أبو هريرة بعده.
ثم إنه أخرج أثر أبي هريرة الذي فيه أمر قنوته من وجهين صحيحين:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن يوسف التنيسي المصري شيخ البخاري، عن بكر بن مضر بن محمَّد المصري مولى ربيعة بن شرحبيل ابن حسنة الكندي، عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل المصري، عن عبد الرحمن الأعرج.
وأخرجه عبد الرزاق (¬1): عن عمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "أنه كان يقنت في صلاة الصبح".
الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني أيضا، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي أبي زكرياء المصري، عن بكر بن مضر ... إلى آخره.
وتقرير الجواب: أن يقال: إن يونس بن يزيد الأيلي قد روى عن محمَّد بن مسلم الزهري في حديث القنوت الذي ذكر في أول الباب، وفيه: "ثم بلغنا أنه ترك ذلك حين أنزل عليه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (¬2) الآية، فدل ذلك على النسخ، ولكن ذكر نزول هذه الآية الذي حصل به النسخ، من كلام الزهري لا مما رواه عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، فإذا كان كذلك، فقد يحتمل أن يكون نزول هذه الآية لم يقف عليه أبو هريرة ولا أحاط به علمه، فلذلك عمل بما كان علمه من فعل النبي - عليه السلام - وقنوته إلى أن مات؛ وذلك لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك، فإذا لم تثبت فكيف يترك ما قد علمه من النبي - عليه السلام -؟.
¬__________
(¬1) "مصنف عبد الرزاق" (3/ 115 رقم 4981).
(¬2) سورة آل عمران، آية: [128].