كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
لما أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (¬1).
ص: وحجة أخرى أن في حديث ابن إيماء: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين رفع رأسه من الركوع: غفار غفر الله لها -حتى ذكر ما ذكر في حديثه- ثم قال: الله أكبر وخر ساجدًا".
فثبت بذلك أن جميع ما كان يقوله هو ما ترك بنزول تلك الآية، وما كان يدعو به مع ذلك من دعائه للأسرى الذين كانوا بمكة، ثم ترك ذلك عندما قدموا، وقد روى أبو هريرة أيضًا في حديث يحيى بن أبي كثير الذي قد رويناه فيما تقدم منا في هذا الباب عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة يذكر القنوت، وفيه: قال أبو هريرة: "وأصبح ذات يوم ولم يدع لهم، فذكرت ذلك، فقال: أوما تراهم قد قدموا؟ " ففي ذلك أن رسول الله - عليه السلام - كان يقول ذلك الحديث في العشاء الآخرة كما كان يقول في الصبح، وقد أجمعوا أن ذلك منسوخ في صلاة العشاء بكماله لا إلى قنوت غيره، فالفجر أيضًا في النسخ كذلك.
ش: هذا جواب آخر عن السؤال المذكور، تقريره أن يقال: إن في حديث خُفاف بن إيماء الذي مر ذكره في هذا الباب أن رسول الله - عليه السلام - دعا لقوم ودعا على آخرين، ثم قال: الله أكبر وخر ساجدًا وأن جميع ذلك ترك بنزول الآية المذكورة، حتى الدعاء الذي كان يدعو به للأسرى الذين كانوا بمكة، فحين ما قدموا ترك ذلك، وقد صرح بذلك في الحديث الذي رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: "وأصبح ذات يوم ولم يدع لهم، فذكرت ذلك، فقال: أوَما تراهم قد قدموا" وفي هذا الحديث أيضًا كان يقول ذلك القنوت في صلاة العشاء الآخرة، كما كان يقوله في الصبح، وقد أجمع الخصم معنا أن ذلك منسوخ في صلاة العشاء بكماله لا إلى قنوت غيره، فإذا كان هذا منسوخًا، فكذلك يكون القنوت الذي في الفجر منسوخًا بكماله لا إلى قنوت غيره.
¬__________
(¬1) سورة آل عمران، آية: [128].