كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
وقولهم: المنسوخ ليس القنوت كله بل إنما كان الدعاء على من دعا عليه أو له، وأما القنوت الذي كان معه باق في الصبح؛ تحكم وتخصيص بلا مخصص وهو باطل، ولئن سلمنا بقاء القنوت وانتساخ الدعاء فلم يختص بذلك الصبح؟ فهلا يقنت في العشاء أيضًا؟ فتخصيص الصبح وترك العشاء تحكم بلا دليل، وأما قنوت أبي هريرة بعد النبي - عليه السلام - فلما ذكرناه عن قريب، على أن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - لم يكونوا يقنتون في الصبح على ما يجيء، وليس فعل أبي هريرة بأولى وأحق من فعلهم.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فلما كشفنا وجوه هذه الآثار المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت، فلم نجد ما يدل على وجوبه الآن في صلاة الفجر، لم نُأْمر به فيها؟ وأمرنا بتركه مع أن بعض أصحاب النبي - عليه السلام - قد أنكره أصلًا، كما حدثنا علي بن معبد وحسين بن نصر وعلي بن شيبة، عن يزيد بن هارون، قال: أنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق، قال: قلت لأبي: "يا أبه، إنك قد صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي ها هنا بالكوفة قريبا من خمس سنين، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني، محدث".
قال أبو جعفر -رحمه الله-: فلسنا نقول: إنه محدث على أنه لم يكن، وقد كان، ولكنه قد كان بعده ما قد رويناه في هذا الباب قبله.
ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي أخرجها في هذا الباب.
قوله: "لم نُأْمر" جواب قوله "فلما" وهو على صيغة لمجهول، وكذلك قوله: "وأُمِرْنا" على صيغة المجهول، أي لم نؤمر بالقنوت في صلاة الصبح، وأمرنا بترك القنوت.
قوله: "مع أن بعض أصحاب النبي - عليه السلام - قد أنكره أصلًا" تأكيد لقوله: "فلم نجد ما يدل على وجوبه الآن في صلاة الفجر" أي قد أنكر القنوت في الصبح أصلًا، وأراد بهذا البعض الذي أنكر القنوت أصلًا: هو طارق بن أشيم الصحابي، فإن ابنه سعد بن طارق لما سأله عنه، قال: "أي بني" أي يا بني "محدث" أي إن القنوت في