كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)

وهذا إسناد صحيح، والكل من رجال الجماعة ما خلا يزيد.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (¬1): ثنا وكيع، قال: ثنا مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب قال: "ربما قنت عمر في صلاة الفجر".انتهى.
فهذا يدل على أنه كان يقنت مرة ويترك مرة، ولكن ينبغي أن ننظر في المعنى الذي كان يقنت حين يقنت لأجله، ولماذا كان؟ فنظرنا فإذا أسود بن يزيد قد روى عنه: إذا حارب قنت وإذا لم يحارب لم يقنت، فعلمنا أن المعنى الذي كان يقنت لأجله هو وقت المحاربة، كان يدعو على أعدائه ويستعين بالله عليهم ويستنصره، كما كان رسول الله - عليه السلام - فعل ذلك لما بلغه أن القراء الذين أرسلهم إلى بئر معونة قد قتلوا، وكانوا سبعين رجلًا -وفي "مسند السراج": كانوا أربعين، وفي "المعجم": ثلاثون: ستة وعشرون من الأنصار، وأربعة من المهاجرين- وكان رسول الله - عليه السلام - أمّر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي الذي يقال له: المعتق ليموت، فخرج عليهم عامر بن الطفيل فقتلوا جميعًا غير عمرو بن أمية الضمري وكعب بن زيد.
وكانت هذه السرية في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرًا من الهجرة، وكان السبب في ذلك: أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر الكلابي ملاعب الأسنة قدم فأهدى للنبي - عليه السلام - فلم يقبل منه، وعرض عليه الإِسلام فلم يسلم، وقال: لو بعثت معي نفرا من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، قال: أنا لهم جار إن تعرض لهم أحد، فبعث معه القراء، فجرى ما ذكرناه.
"وبئر معونة": ماء لبني عامر بن صعصعة على أربع مراحل من المدينة.
ثم إنه - عليه السلام - لم يزل يدعو عليهم في صلاته حتى أنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (¬2) الآية حتى كف عنه وتركه كما ذكرناه مستقصى.
¬__________
(¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (2/ 104 رقم 7006).
(¬2) سورة آل عمران، آية: [128].

الصفحة 374