كتاب مصابيح الجامع (اسم الجزء: 4)
سُفْيَانَ، فَهُوَ آمِنٌ" (¬1)، إلى غير ذلك.
قال ابن المنيِّر: والأوجَهُ في إبطال كلام الملحدة أن يُقال: إن الله تعالى خاطبَ العرب كما تَتخاطب، ولا شك أن لسانها يقتضي وصفَ المدنِ بأنها مآمِنُ، ووصفَ المَفَاوزِ بأنها مخاوفُ، ولا يُنْكِر هذا إلا (¬2) متعنِّتٌ جاهل، ثم الأمرُ محمول فيه على الغالب (¬3)، وإلا، فليس كل من كان بمدينة لا يهلك، ولا كلُّ من كان بمفازة هلك، فدل ذلك على أنهم يضيفون ذلك إلى الغلبة، ولا شك في الجاهلية وما تقدَّم عليها أن الحرمَ لم يزل متميزًا على غيره بمهابة تصد عن السَّفك فيه غالبًا، فهو بذلك (¬4) كان في وصفه بالأمن، وحمل الكلام على الخبر أحسن، وهو الأصل.
وأيضًا لو حمل على الأمر، لم يكن مزية؛ لأن السفك أينما كان باطل، فهو منهي عنه مطلقًا، في الحرم وغيره، وإن كان لحق؛ فالحكم عندنا أن يستوفي الحدود والحقوق (¬5)، فأين المزية باعتبار الحكم إذن؟!
وحملُ الأمر على حالة اختصَّ بها يومَ الفتح بعيدٌ؛ فإن أمان الفتح ما كان معروفًا بمكة؛ كمن أغلقَ عليه بابه، وكمن دخل دارَ فلان، ونحو ذلك، وأما من (¬6) كان من الكفار في الطرقات والشِّعاب، فلم يكن حينئذٍ
¬__________
(¬1) رواه مسلم (1780)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(¬2) في "ج": "إلا كل".
(¬3) في "ج": "الغائب".
(¬4) في "ج": "غالبًا يتميزه ذلك".
(¬5) في "ج": "الحقوق والحدود".
(¬6) في "ع": "ما".
الصفحة 115
490