3707 - (خ) - حدثنا محمد بن أحمد بن علي، قال: ثنا أحمد بن موسى، قال: قرئ على أحمد بن محمد بن زياد، قال: ثنا عبيد بن شريك، قال: ثنا يحيى بن بكير، قال: ثنا الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن جعشم: أن أباه أخبره:
أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي من بني مدلج أقبل رجل #451# منهم حتى قام علينا، ونحن جلوس، فقال: يا سراقة! إني قد رأيت آنفا أسودة بالسواحل أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا هم؛ ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت، فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهو من وراء أكمة، فتحبسها علي، وأخذت رمحي، فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليته حتى أتيت فرسي، فركبتها، فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت، فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، تقرب بي فرسي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله [صلى الله عليه وسلم]-وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات- ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت به قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني ولم يسألاني؛ إلا أن قال: ((أخف عنا))، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، قال: ((كتاب موادعة))، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
#452#
قال ابن شهاب: وأخبرني عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب! هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند ذلك، فلبث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.